هُنا نموذج مناخي لأفريقيا وللعالم

تعمل دول مجلس التعاون الخليجي على نقل آفاقها الاستراتيجية إلى ما هو أبعد من مناطق النفوذ التقليدية في ضوء إعادة التقويم العالمي والإقليمي، وركزت دول مجلس التعاون الخليجي سابقا على منطقة الخليج ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بصورة عامة، ولكنها تبدي الآن اهتماما كبيرا بتوسيع عملياتها إلى أبعد من ذلك.

 

ومن بين أفضل الأمثلة على ذلك الاتجاه ما تقوم به دولة الإمارات العربية المتحدة في أفريقيا، فبالنظر إلى العديد من البلدان ذات الأغلبية المسلمة في القارة، وبعض تلك الدول تعيش اضطرابات سياسية وصراعات، فيمكن لدولة الإمارات، من خلال الدعوة إلى الإسلام المعتدل، أن تعمل كوسيط ومحفز، ويمكن لدولة الإمارات أيضا أن تعمل على منع الأزمات المحتملة ودعم الاستقرار، وتسهيل النمو المستدام في القارة.

 

ومن الأمثلة على ذلك مسألة تغير المناخ، فمن خلال دعم التخفيف من آثار وتبعات التغيرات المناخية للعالم النامي، وخاصة البلدان الأفريقية، فإن دول الخليج بقيادة مبتكرين في مجال الطاقة مثل أبو ظبي، يمكن أن تتجاوز مرحلة إصدار البيانات إلى القيام باستثمارات كبيرة ومشاريع، بما في ذلك في مجال الطاقة النظيفة. وتستند تلك الالتزامات بالنسبة للإمارات على فهم عميق للتحديات المشتركة، مثل  تغير أنماط هطول الأمطار، وارتفاع منسوب مياه البحر، وندرة المياه، والتصحر  وحلولها المشتركة.

 

وتتمتع أبوظبي بمكانة جيدة جغرافيا وثقافيا ويمكن من خلالها من مساعدة أفريقيا، فبعد الزلزال الشديد الذي ضرب المغرب، كانت الإمارات من بين الدول القليلة التي تم قبول المساعدة من جانبها لأسباب تتعلق بالقدرات ولأسباب سياسية، وقد مكن ذلك  من إنشاء جسر جوي سريع لتوجيه المساعدات الحيوية للمتضررين من الدمار الذي خلفه الزلزال.

 

كما استجابات الإمارات للفيضانات في ليبيا، حيث أرسلت طائرتين محملتين ب 150 طنا من الإمدادات الحيوية، بما في ذلك الغذاء والماء والمواد الطبية الأساسية، كما تم إرسال فريق بحث وإنقاذ مخصص للمساعدة في تحديد مكان الناجين وتقديم المساعدة لهم.

 

غير أن التحديات المشتركة والحقيقية جدا لتغير المناخ تتيح أيضا فرصا مشتركة، فبعد أن أحرزت دولة الإمارات تقدما في مجال  التخطيط الحضري المستدام والحفاظ على المياه، وسعت خبرتها في مجموعة من الابتكارات، من أنظمة الري الفعالة إلى تقنيات الطاقة المتجددة المتطورة.

 

ولا تعد أفريقيا محور التركيز الوحيد لدول مجلس التعاون الخليجي، حيث وقعت القوى الإقليمية اتفاقيات شراكة اقتصادية مع دول من الهند إلى إندونيسيا ومن كوريا الجنوبية إلى إسرائيل، ومن خلال إقامة تحالفات جديدة، تهدف دول الخليج بقيادة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية إلى توسيع التعاون، خاصة مع القوى الحالية والقوى الناشئة. وتشكل مبادرات مثل الاتفاقيات الإبراهيمية، والعضوية في مجموعات مؤثرة مثل مجموعة البريكس، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ومجموعة العشرين أدوات لتحقيق تلك الأهداف.

 

ومع انتقال الاقتصادات العالمية نحو الاستدامة، ستكون الآليات المالية لدعم القدرة على التكيف مع المناخ أمرا بالغ الأهمية، وهنا يمكن للخبرة المالية الخليجية لعب دورا محوريا، حيث تخلق سبل تمويل مبتكرة مثل السندات الخضراء أو استثمارات البنية التحتية المقاومة للمناخ، كما يوفر سوق الكربون المتطور فرصا للتعاون. ومن خلال الاستثمار في مشاريع تعويض الكربون في جميع أنحاء أفريقيا، يمكن لدولة الإمارات في الوقت نفسه ذاته دعم تطلعاتها إلى الحياد الكربوني وتحفيز النمو المستدام في القارة.

 

وفي قمة المناخ الأفريقية الأخيرة، تعهدت دولة الإمارات العربية المتحدة بتقديم 4.5 مليار دولار لتسريع مشاريع الطاقة النظيفة في أفريقيا. كما التزمت شركة الطاقة المتجددة الإماراتية  “مصدر”  بمبلغ 2 مليار دولار من الأسهم وتهدف إلى جمع 8 مليارات دولار أخرى لتمويل المشاريع، والهدف هو تحقيق 10 جيجاوات من قدرة الطاقة النظيفة في إفريقيا بحلول عام 2030 من خلال منصة انفنتي بور.

 

وبصفتها مستضيفة لمحادثات الأمم المتحدة للمناخ قمة المناخ COP28، في شهر نوفمبر المقبل في دبي، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة لديها فرصة لتقديم خطة عالمية قوية وقابلة للتنفيذ، مع التركيز على احتياجات أفريقيا وغيرها في الجنوب العالمي، وستكون تلك الخطة متجذرة في سجل دولة الإمارات العربية المتحدة الراسخ في التمويل المختلط لتعزيز الطاقة النظيفة في الدول الناشئة.

 

من المهم النظر إلى المشاركة مع أفريقيا ليس فقط في سياق اليوم ولكن مع التركيز على المستقبل، حيث تستعد القارة بإمكاناتها الهائلة في مجال الطاقة المتجددة، لتصبح موردا مهما للهيدروجين الأخضر إلى أوروبا، خاصة وأن أوروبا تسعى إلى تنويع مصادر الطاقة لديها.

 

ولكن تجتذب أفريقيا حاليا 3 في المائة فقط من استثمارات الطاقة العالمية، وتواجه ديونا متصاعدة على الرغم من الموارد الطبيعية الغنية، ويمكن لدول أوروبا وآسيا الانضمام إلى الإمارات ودول الخليج الأخرى في العمل معا في أفريقيا نحو تحقيق تلك الإمكانات.

 

من خلال الاعتراف بالتحديات التي تواجه أفريقيا، مثل التغيرات المناخية، وتسخير وتوظيف إمكانات القارة التوظيف الأمثل، فمن الممكن إقامة شراكات مفيدة للطرفين. ومع استمرار التعديلات في النظام العالمي، فإن القوى الناشئة مثل دولة الإمارات العربية المتحدة في وضع جيد للمساعدة في رسم مستقبل أكثر إنصافا ومراعاة للبيئة.

 

يقود الدكتور جدليا أفترمان برنامج سياسة آسيا في معهد أبا إيبان للدبلوماسية والعلاقات الخارجية في جامعة ريتشمان، وقد شغل ضابط في السلك الدبلوماسي الأسترالي حيث عمل على قضايا الأمن الإقليمي الآسيوي وكدبلوماسي في السفارة الأسترالية في بكين.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: