مضاعفة الطاقة النووية لثلاث مرات

شوهت حركة قوية مناهضة للأسلحة النووية سمعة التكنلوجيا النووية المتقدمة بصورة غير عادلة وذلك في أعقاب كارثة فوكوشيما في عام 2011، وفي غضون أشهر من الزلزال الهائل والتسونامي الذي أدى إلى انصهار المحطة اليابانية، أمرت ألمانيا بالتخلص التدريجي الكامل من مفاعلاتها النووية البالغ عددها 17 مفاعلا، وقد القت تلك النظرة المتحيزة بظلالها على أهمية الطاقة النووية كمصدر حيوي للطاقة المستدامة في المعركة ضد التغيرات المناخية.

 

وعلى عكس الهواجس الخاصة بالسلامة التي غالبا ما يستشهد بها منتقدو الطاقة النووية، فإن التحليل التجريبي من أور ورلد ان داتا يتناقض بشكل صارخ مع تلك الهواجس وخاصة إذا ما تم مقارنته  بسجل مصادر الوقود الأخرى، حيث تسببت الطاقة النووية في وفيات أقل بكثير مقارنة بالوقود الأحفوري التقليدي، 99.8 في المائة أقل من الفحم و 99.7 في المائة أقل من النفط، مما يتماشى بشكل كبير مع سجلات السلامة لطاقة الرياح والطاقة الشمسية.

 

وكثيرا ما ينظر إلى الطاقة النووية من منظور سيء بسبب مبدأ “الاستدلال بما يسهل تذكره” ، وهو مبدأ في العلوم السلوكية حيث تستند الأحكام إلى أمثلة يسهل تذكرها، ويؤدي ذلك إلى المبالغة في تقدير احتمالية وقوع أحداث الكبيرة، وفي حالة الطاقة النووية، تهيمن الحالتان البارزتان في تشيرنوبيل وفوكوشيما على التصور العام، وهو الأمر الذي يشوه فهم مخاطرها الفعلية ويلقي بظلاله على فوائدها المحتملة.

 

ولحسن الحظ تجاوز العالم هذين الحدثين، حيث شهدت الطاقة النووية عودة كبيرة مع إعلان مبعوث المناخ الأمريكي جون كيري عن استراتيجية الاندماج النووي في COP28 ، وتشير تلك الخطوة إلى تحول كبير في ملف الطاقة، مع الاعتراف بالدور الذي لا غنى عنه للقوى النووية في تحقيق أهداف الطاقة المستدامة.

 

واجتمعت أكثر من 20 دولة في قمة الأطراف في دبي كوب 28 للتوقيع على إعلان نحو مضاعفة قدرة الطاقة النووية ثلاث مرات على مستوى العالم، ويقر هذا الإعلان، الذي تدعمه دول من بينها الولايات المتحدة وغانا والإمارات العربية المتحدة، على المساهمة الحاسمة للطاقة النووية في تحقيق صافي انبعاثات غازات الدفيئة العالمية بحلول عام 2050 والحفاظ على هدف الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية.

 

ووفقا لنظام معلومات المفاعلات النووية التابع للوكالة، بلغ إجمالي صافي القدرة الكهربائية من الطاقة النووية في نهاية عام 2022 ٣٧٠٫٩٩ غيغاواط، وكان هناك ٤١١ مفاعلا عاملا في العالم، والدول التي لديها أكبر قدرة كهربائية صافية من الطاقة النووية هي الولايات المتحدة وفرنسا والصين وروسيا وكوريا الجنوبية وكندا، ووقعت جميع تلك الدول على الإعلان ما عدى روسيا.

 

ولكن وفقا للرابطة النووية العالمية، فإن التوسع النووي الأبرز جار في البلدان التي لم توقع على ذلك الإعلان، حيث تقود الصين تلك المسيرة بـ (25) مفاعل جديد تحت البناء والهند (8) وتركيا (4). وبالمثل، يوجد أكبر عدد من المفاعلات المقترحة في الصين (154) والهند (28) وروسيا (21). وتلعب هذه الدول دورا محوريا في زيادة الطاقة النووية ثلاث مرات بحلول عام 2050، على الرغم من عدم توقيعها على ذلك الإعلان.

 

وبغض النظر عن ذلك، فإن الطموح إلى مضاعفة قدرة الطاقة النووية ثلاث مرات يمثل مهمة صعبة وتنطوي على العديد من التعقيدات، وينص الهدف على زيادة مساهمة الطاقة النووية من 10 في المئة إلى ما يقرب من ثلث احتياجات العالم من الكهرباء في غضون 25 عاما.

 

وسيتطلب مضاعفة قدرة القوى النووية ثلاث مرات بناء مفاعلات جديدة واسعة النطاق وصغيرة الحجم وتجاوز عقبات مالية وتنظيمية كبيرة، وواجهت المشاريع النووية السابقة  تأخيرات في البناء وتجاوزات في الميزانية.

 

ويبلغ متوسط عمر المفاعلات النووية في الاقتصادات المتقدمة 35 عاما وتواجه عمليات إغلاق واسعة النطاق، حيث من المتوقع توقف ربع الطاقة الحالية بحلول عام 2025 بسبب تقادم البنية التحتية، وفي حين أن إطالة عمر المفاعل أكثر فعالية من حيث التكلفة مقارنة ببناء مفاعل جديد، فإن ظروف السوق الصعبة تعيق مثل تلك المشاريع. وقد أدى استمرار انخفاض أسعار الكهرباء إلى تقليص الأرباح، مما جعل المحطات النووية أقل قابلية لإعادة الاستثمار، وبالتالي، فإن نجاح إطالة عمر المفاعلات يتوقف إلى حد كبير على ظروف اقتصادية محددة داخل كل بلد.

 

ولمضاعفة قدرات الطاقة النووية ثلاث مرات، يعد انتقال الطاقة في البلدان النامية أمرا بالغ الأهمية، حيث مثلت الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حوالي 60 في المائة من الاستهلاك العالمي للطاقة والكهرباء في عام 2020. وتعتمد تلك البلدان اعتمادا كبيرا على الوقود الأحفوري وهو مساهم رئيسي في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، ومن المتوقع أن تنمو احتياجات تلك الدول من الطاقة بسرعة.

 

ولا تزال القيود المفروضة على الطاقة النووية قائمة في بعض البلدان، ويمكن أن تكون العقبات الاقتصادية والسياسية والتقنية التي تحول دون توسيع نطاق الطاقة النووية كبيرة ولا يمكن تجازوها. وفي الوقت الحاضر، يوجد أقل من 8 في المائة من المفاعلات القائمة في بلدان غير أعضاء في منظمة التعاون والتنمية، وهم في الصين والهند، وتولد تلك المفاعلات 4.3 في المائة فقط من إجمالي الكهرباء التي تعمل بالطاقة النووية، ومن المتوقع أن ينمو ذلك إلى 15 في المائة بحلول عام 2030.

 

ستعيق الجداول الزمنية الطويلة والتكاليف المرتفعة المرتبطة ببناء مفاعلات كبيرة في هذه البلدان مسيرة الطاقة النووية وستمنعها من زيادة حصتها في إنتاج الكهرباء بشكل كبير على المدى القريب، ولكن الجيل الجديد من المفاعلات النمطية الصغيرة (SMRs) سيقدم حلولا أكثر قابلية للتطبيق على المدى الطويل وذلك من عام 2030 إلى عام 2050.

 

وسيتعين على العالم وخاصة دول العالم الثالث أن تعتمد على المفاعلات النمطية الصغيرة إذا ارادت زيادة الطاقة النووية إلى ثلاثة أضعاف، فتلك المفاعلات رخيصة، ويمكن بناؤها في مصنع وشحنها إلى موقع، وسيسهل العثور على مواقع لها، نظرا لصغر حجمها.

 

وبدأت تلك التكنلوجيا الحديثة مرحلة عرض منتجاتها في دول مثل الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة، بالتعاون مع الشركات اليابانية والكورية الجنوبية، وهي توفر فرصا جديدة للطاقة النووية في البلدان النامية، وخاصة تلك التي لديها أنظمة كهرباء أصغر وموارد محدودة.

 

يمكن بناء المفاعلات النمطية الصغيرة بسرعة وتوفر مرونة للشبكات لاستكمال مصادر الطاقة المتجددة المتقطعة، وسيمثل توفير التمويل من مصادر متنوعة أمرا حاسما لنجاحها ونجاح الانتقال بعيدا عن الوقود الأحفوري.

 

 

أديتيا سينها : ضابط في مهمة خاصة في الأبحاث ، في المجلس الاستشاري الاقتصادي لرئيس وزراء الهند.

 X: @adityas

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: