موسكو وحالة اللامبالاة الاستراتيجية في سوريا

لا تزال تداعيات هجوم حماس في 7أكتوبر تتكشف خارج حدود إسرائيل، حيث أدت المناوشات في سوريا بين الميليشيات المدعومة من إيران والقوات الإسرائيلية والقوات الأمريكية إلى تعقيد الجهود المبذولة لاحتواء القتال. ولكن في الوقت الذي يتسابق فيه الدبلوماسيون من الدوحة ومن جهات أخرى لمنع اتساع رقعة الحرب، نرى روسيا وهي الحليف الرئيسي لسوريا، هادئة بكل وضوح، فبالنسبة لها قد تكون الفوضى وسيلة لتحقيق غاية.

وبعد عقود من الهدوء النسبي، عاد القتال على مدى الحدود الجنوبية لسوريا مع إسرائيل، وتضمنت الاشتباكات الأولية تبادل إطلاق قذائف الهاون، لكن التوترات تصاعدت بشكل كبير في 10 نوفمبر عندما أفادت تقارير أن طائرة مسلحة بدون طيار حلقت لأكثر من 400 كيلومتر من جنوب سوريا عبر الأردن لتقصف مدرسة إسرائيلية في مدينة إيلات.

وردا على ذلك القصف، لم تستهدف إسرائيل منفذي الهجوم فحسب ، من دون تسميتهم، بل استهدفت أيضا مطارين سوريين يعتقد أنهما بمثابة مراكز عبور للأسلحة للميليشيات المدعومة من إيران في جميع أنحاء المنطقة. وفي حين تتزايد المخاوف من أن هذا التصعيد يمكن أن يحول سوريا إلى جبهة جديدة في الحرب بين إسرائيل وحماس، فإن محاولات موسكو لنزع فتيل التوتر لم تكن بالجدية الكافية، كما قال الخبراء.

وأخبرني دبلوماسيون ومحللون مطلعون أن موسكو، على الرغم من كونها من بين أقرب حلفاء الرئيس بشار الأسد، لا تحاول إطفاء نيران الحرب بالوكالة في سوريا، وهذا يتناقض مع دور موسكو السابق كوسيط في  سوريا قبل خمس سنوات، عندما نقلت روسيا رسائل إسرائيلية إلى القيادة الإيرانية للمساعدة في احتواء الأعمال العدائية في مايو 2018.

وفي تفسير الصمت الحالي، تشير بعض المصادر إلى أن روسيا تفتقر إلى النفوذ الكافي للتأثير في خفض التصعيد، حيث تعد قدرة موسكو على حمل طهران على الجلوس على مقعد المفاوضات محدودة، بسبب نأي إيران بنفسها عن هذه الجولة من القتال.

وفي الوقت نفسه، ستستفيد روسيا من مخرجات هذه التصعيدات، لا سيما لأنه ينظر إليها على أنها لا تشكل تهديدا مباشرا لموسكو، حيث قال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الرئاسة الروسية إن الكرملين “ليس لديه مخاوف بشأن جر روسيا إلى حلبة الصراع”.

وفي الواقع، لم تكتف روسيا بالمراقبة، حيث تم تكليف منظمة المرتزقة الروسية “وقنار قروب”، التي تعمل في سوريا، بتسليم أنظمة الدفاع الصاروخي أرض-جو SA-22 روسية الصنع إلى حزب الله، وفقا لمصادر استخباراتية أمريكية.

وربما تفعل موسكو أكثر من تسليح حلفائها، حيث كشفت وثائق سرية تسربت في وقت سابق من هذا العام عن إنشاء مركز تنسيق يضم روسيا وإيران والنظام السوري، والغرض منه هو تنسيق الجهود لزيادة المخاطر التي يتعرض لها الأفراد العسكريون الأمريكيون في سوريا، وإجبارهم على الانسحاب في نهاية المطاف.

وتحقيقا لتلك الغاية، تتعرض القوات الأميركية لإطلاق النار على نحو متزايد، ففي الشهر الذي انقضى منذ هجوم حماس، تعرض الجنود الأمريكيون العاملون في سوريا والعراق لما لا يقل عن 40 هجوما منفصلا بطائرات بدون طيار وصواريخ شنتها الميليشيات المدعومة من إيران.

وسيكون رحيل الولايات المتحدة انتصارا استراتيجيا لموسكو، لأنه سيفتح الباب أمام النظام السوري لاستعادة السيطرة على الشمال الشرقي الغني بالموارد، مما يمنح روسيا مكاسب مالية كبيرة.

وإذا افترضنا بقاء واشنطن في مكانها، وهو ما يبدو مرجحا في الوقت الحالي، فإن النتيجة الأفضل التالية هي إبقاء أمريكا منشغلة، حيث تتوقع موسكو أن يؤدي الدعم العسكري الأمريكي المتزايد لإسرائيل إلى تحويل الموارد بعيدا عن أوكرانيا. 

ولا يعد ذلك التفكير مجرد أماني، حيث أرسل الرئيس الأمريكي جو بايدن في الشهر الماضي طلبا لحزمة إنفاق طارئة بقيمة 106 مليارات دولار إلى الكونغرس، والتي تضمنت تمويلا لكل من إسرائيل وأوكرانيا. وبدلا من الموافقة على الطلب بأكمله، ركز الجمهوريون جهودهم على تمرير مشروع قانون لتقديم 14.3 مليار دولار فقط كمساعدات طارئة لإسرائيل، وأقر مجلس النواب مشروع القانون  قبل أن يعرقله الديمقراطيون في مجلس الشيوخ.

وحتى لو تمكن بايدن من إبقاء أوكرانيا على رأس جدول أعمال التمويل الأمريكي، فإن الطلب المتزايد على الأسلحة الأمريكية قد يدفع واشنطن  إلى إعطاء الأولوية للشحنات إلى إسرائيل أو تقسيم الإمدادات بين الجبهتين. وقد يؤدي هذا الوضع إلى تأخير في تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا، مما قد يسبب قلق لأوكرانيا.

 وتنظر موسكو إلى الصراع بين إسرائيل وحماس على أنه تشتيت للانتباه عن الحرب في أوكرانيا والفظائع التي ترتكبها هناك مما يصب في صالحها. إن الانقسامات المتصاعدة في أوروبا حول غزة، إلى جانب تصاعد المشاعر المعادية للولايات المتحدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط والجنوب العالمي بسبب موقف بايدن المؤيد لإسرائيل بشكل قاطع، يمكن أن تضر بدبلوماسية أمريكا وصورتها.

وفي حين أن وتيرة الهجمات في سوريا ضد القوات الأمريكية وضد إسرائيل قد زادت في الأسابيع الأخيرة، فإن روسيا تتربص بهدوء في الخلف، ومستعدة لجني الثمار إذا استمرت الفوضى.

والأمر الأكثر إحباطا هو أن كل ما تحتاج روسيا إلى القيام به للاستفادة من حالة لامبالاتها الاستراتيجية في سوريا هو الجلوس والانتظار فقط.

الدكتور حايد حايد هو كاتب عمود سوري وزميل مشارك استشاري في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس. X: @HaidHaid22

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: