مفتاح حل أزمة المناخ في يد بنوك التنمية متعددة الأطراف

عندما يصل وزراء المناخ من حوالي 200 دولة إلى الإمارات العربية المتحدة لحضور قمة للمناخ في أواخر شهر نوفمبر، ستكون هنا حاجة ماسة إلى إجراء بعض المحادثات الصعبة حول ما تم القيام به وما لم يتم القيام به للتخفيف من تغير المناخ على الصعيد عالمي.

 

ويتسم حدث هذا العام بأهمية خاصة، حيث يواجه مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين (COP28) مهمة تقييم التقدم المحرز نحو أهداف اتفاقية باريس، التي تحدد الحد من متوسط الاحترار في جميع أنحاء العالم إلى “أقل بكثير” من درجتين مئويتين ومتابعة الجهود للحد من الاحترار إلى 1.5 درجة مئوية.

 

وأصدرت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) الوثيقة الفنية بشأن التقييم العالمي في 8 سبتمبر، وهو نوع من معاينة ومراجعة ما فعلته البلدان حتى الآن لتحاشي التغيرات المناخية الأكثر خطورة، وتبرز نتيجتان في هذه الوثيقة والتان ستؤثران على نتائج قمة COP28.

 

أولا:  لا تتلاءم الانبعاثات العالمية مع الأهداف الموضوعة في اتفاق باريس، حيث وجد التقرير التجميعي للمساهمات المحددة وطنيا لعام 2022 الصادر عن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ  أن الانبعاثات العالمية من المقرر أن ترتفع بنسبة 10.6 في المائة بحلول عام 2030 مقارنة بعام 2010 ، وهو تحسن عن توقعات عام 2021 بزيادة قدرها 13.7 في المائة. ومع ذلك، فإن تلك الجهود ليست كافية، كما أن تنفيذ التعهدات الحالية من قبل الحكومات الوطنية يضع العالم على المسار الصحيح ليصبح أكثر دفئا بمقدار 2.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن. وسيتعين على قمة المناخ في دبي التوصل إلى توافق في الآراء لمزيد من التخفيضات في أهداف الانبعاثات، خاصة من قبل دول العالم الأول.

 

وهذا يقودنا إلى المسألة الرئيسية الثانية التي أثارها التقييم العالمي، حيث كان التحول إلى مصادر الطاقة منخفضة الانبعاثات بطيئا للغاية، ويرجع ذلك التأخر في المقام الأول إلى نقص التكنولوجيا وعدم كفاية خيارات تمويل المناخ، خاصة بالنسبة للدول النامية والمنخفضة الدخل. وتواجه البلدان الفقيرة عقبات في توليد الموارد المحلية للمبادرات المناخية، ويشكل غياب القروض من القطاع الخاص حاجزا كبيرا.

 

وتقاس الجدارة الائتمانية للدول بشكل عام من خلال معايير الاقتصاد الكلي وسجل السداد السابق، ولسوء الحظ  تتصارع العديد من الدول النامية مع القضايا المتعلقة بانخفاض الناتج المحلي الإجمالي وعدم الاستقرار السياسي وسوء الإدارة المالية، مما يؤثر سلبا على تصنيفاتها الائتمانية.

 

وحتى عندما تكون القروض مضمونة، فإنها غالبا ما تأتي بأسعار فائدة مرتفعة للغاية، مما يزيد من تفاقم الضغوط الاقتصادية، فالافتقار إلى التمويل الكافي لا يعوق قدرتها على تنفيذ الاستراتيجيات الحاسمة للتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه فحسب، بل يحد أيضا من قدرتها على المشاركة في المبادرات المناخية العالمية، مما يطيل دورة التدهور البيئي والمصاعب الاقتصادية. وعلاوة على ذلك، غالبا ما يتعين التوفيق بين الموارد المالية الشحيحة و المخاوف الاجتماعية والاقتصادية المباشرة والإجراءات المناخية طويلة الأجل، مما يمثل لغزا معقدا لصانعي السياسات.

 

وتحتاج البلدان النامية إلى تحسين فرص الحصول على التمويل المؤسسي للمناخ، والالتزامات المالية الضرورية لمكافحة التغيرات المناخية في حالة من الفوضى، حيث لم يتحقق تعهد عام 2009 بتوفير 100 مليار دولار سنويا للدول النامية بحلول عام 2020 ولا حتى في أي سنه، وتقدر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التمويل المتاح لعام 2020 بمبلغ ضئيل قدره 83.3 مليار دولار، وهو رقم يؤكد الفشل النظامي في الوفاء حتى بالالتزامات الأساسية. وعلاوة على ذلك، يتدفق المزيد من الأموال العامة من البلدان المتقدمة إلى البلدان النامية من أجل التخفيف بدلا من التكيف، ولكن كان هناك ارتفاع في تمويل التكيف من بنوك التنمية المتعددة الأطراف، والتي تشمل مؤسسات مثل البنك الإسلامي للتنمية.

 

ويشير تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية  “نحو تحول أخضر منظم” إلى أنه بحلول عام 2030 ، ستكون هناك حاجة إلى 1.8 تريليون دولار إضافية سنويا للعمل المناخي، وهو ما يمثل أربعة أضعاف (نحو التكيف والمرونة والتخفيف) من مستويات عام 2019 ، وهي في المقام الأول للبنية التحتية المستدامة.

 

وهنا يأتي دور بنوك التنمية متعددة الأطراف، ويمكنها أن تتصدى بشكل جوهري لتحديات تمويل المناخ التي تواجهها البلدان النامية والبلدان منخفضة الدخل من خلال دمج الدعم المالي والخبرة الفنية والمشورة بشأن السياسات لتعزيز الإصلاحات والموارد اللازمة. والواقع أن قدرتها على العمل بشكل متماسك مع كل من الحكومات والقطاع الخاص تسهل من وضع إطار للاستثمار، في حين تعمل قدرتها على توفير تمويل منخفض التكلفة وطويل الأجل لتخفيف المخاطر وتقاسمها بكفاءة، وبالتالي جذب الاستثمار الخاص.

 

غير أن المبالغ التي تدفعها المصارف الإنمائية المتعددة الأطراف كانت بطيئة، كما أن النطاق الحالي لنقل الموارد إلى البلدان النامية غير كاف، وخلافا للعديد من المؤسسات التي تسعى باستمرار إلى تعزيز نطاقها وكفاءتها، يبدو أن بنوك التنمية المتعددة الأطراف قد أوقفت جهودها. فمن الناحية المالية، يبلغ إجمالي مدفوعات بنوك التنمية المتعددة الأطراف حاليا نصف ما كانت عليه في عام 1990 نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي للبلدان المقترضة، وعلى صعيد القطاع الخاص، توفر بنوك التنمية المتعددة الأطراف اليوم 0.60 دولار فقط من رأس المال الخاص مقابل كل دولار تقرضه، وعلى هذا فإن بنوك التنمية المتعددة الأطراف تحتاج إلى الكثير من الإصلاح.

 

وقد وضعت مجموعة خبراء مستقلة بتكليف من رئاسة الهند لمجموعة العشرين استراتيجية لبنوك التنمية متعددة الأطراف، وتؤكد “الأجندة الثلاثية” الأولية، المكلفة بإعداد تقريرين، على دور بنوك التنمية متعددة الأطراف في دمج أهداف التنمية والمناخ، والشراكة مع الحكومات والشركات للتخفيف من المخاطر، لتصبح أكثر قدرة على التكيف. وينبغي لبنوك التنمية المتعددة الأطراف أن تعزز عملياتها، بالنظر إلى أن المدفوعات والموارد التي تقل الآن عن نسب عام 1990. وتقترح المجموعة استراتيجية الثلاثية: أنه ينبغي لبنوك التنمية المتعددة الأطراف أن تركز على القضاء على الفقر، وتعزيز الثروة المشتركة، ومساعدة القضايا العالمية مثل التغير المناخية، وهناك أيضا دعوة إلى مضاعفة الإقراض المستدام ثلاث مرات بحلول عام 2030 وإدخال نهج تمويل جديد (بصرف النظر عن مساهمات الأسهم المتفاوض عليها من المساهمين السياديين والصناديق الاستئمانية التقديرية) لتعزيز التعاون المتعدد الاستخدامات مع المستثمرين بما يتماشى مع أجندة بنوك التنمية متعددة الأطراف.

 

ستحتاج قمة المناخ في دبي إلى تسليط الضوء على هذه المشكلة، فبدون تمويل المناخ للبلدان النامية، لن تتحقق أهداف اتفاقية باريس، وسيكون لدولة الإمارات العربية المتحدة دور حاسم نجاح جدول أعمال القمة.

 

 

أديتيا سينها: ضابط في مهمة خاصة مختص في الأبحاث، في المجلس الاستشاري الاقتصادي لرئيس وزراء الهند.

 X: @adityasinha004

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: