معركة تنظيم الذكاء الاصطناعي بدأت الآن

من اللافت للنظر أن الولايات المتحدة قد أصدرت لوائح واضحة تتعلق بالذكاء الاصطناعي في نهاية شهر أكتوبر، مع أن وتيرة التطور في هذا المجال هي وتيرة كبيرة على مدى السنوات الأخيرة، حيث أصدر الرئيس جو بايدن أمرا تنفيذيا لضمان وجود “ذكاء اصطناعي آمن وجدير بالثقة”. وتحدد تلك الأوامر معايير جديدة لجميع مسائل السلامة الخاصة بالذكاء الاصطناعي، بما في ذلك ضمانات الخصوصية الجديدة المصممة لحماية المستهلكين، وفي حين أن الكونجرس لم يسن بعد قوانين شاملة في مجال استخدام وتطوير الذكاء الاصطناعي، فإن الأمر التنفيذي هو خطوة مطلوبة بشدة نحو تنظيم معقول لهذه التكنولوجيا سريعة التطور.

وقد يتفاجأ المراقبون العاديون عندما يعلمون أن الولايات المتحدة لم يكن لديها بالفعل أي حماية في مجال الذكاء الاصطناعي من قبل، حيث كشف تجمع ل 28 حكومة في قمة السلامة الذكاء الاصطناعي في المملكة المتحدة الأسبوع الماضي أن بقية العالم متأخر عن الركب مقارنة بأمريكا، وتمكن الحاضرون، الذين اجتمعوا في قاعدة التجسس التاريخية السابقة بلتشلي بارك، من الاتفاق على العمل معا في أبحاث السلامة لتجنب “الضرر الكارثي” الذي يمكن أن ينجم عن الذكاء الاصطناعي. وكان الإعلان الذي وقعت عليه الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، انقلابا دبلوماسيا نادرا بالنسبة للمملكة المتحدة، لكنه لم يشير إلى التفاصيل كاملة، واستخدمت الولايات المتحدة الحدث للتلويح بحواجز الحماية الجديدة الخاصة بها كمعيار يجب على بقية العالم اتباعه.

ولا يحتاج القارئ إلى شهادة في الحوسبة لفهم أن الذكاء الاصطناعي جزء مهم من أحد أعمق التحولات التكنولوجية التي شهدتها البشرية على الإطلاق، فالذكاء الاصطناعي لديه القدرة على تغيير طريقة تفكيرنا والطريقة التي نتعلم من خلالها، كما يمكن أن يغير طريقة عملنا ويلغي بعض الوظائف، وتتطلب أنظمة الذكاء الاصطناعي كميات هائلة من البيانات التي يتم جمعها بشكل عام على الإنترنت المفتوح لتقديم تلك النتائج، من المحتمل أن يتم إدخال بعض بياناتك في نماذج لغوية كبيرة تعمل على تشغيل الذكاء الاصطناعي الأنظمة الأساسية مثل ChatGPT.

وهذا مجرد غيض من فيض، حيث يجري حاليا توظيف الذكاء الاصطناعي في العمليات الإسرائيلية في غزة للمساعدة في اتخاذ قرارات مرتبطة بالحياة والموت، وقالت مديرية الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية إن الجيش يستخدم الذكاء الاصطناعي وأدوات “آلية” أخرى “لضرب أهداف موثوقة بسرعة وبدقة”. وقال ضابط كبير لم يذكر اسمه إن الأدوات الجديدة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي تستخدم “لأول مرة لتزويد القوات البرية في قطاع غزة بمعلومات محدثة عن الأهداف التي سيتم ضربها”.

وهذا تصعيد خطير في استخدام الذكاء الاصطناعي، ليس للفلسطينيين فحسب، بل للمجتمع الدولي. ومن شبه المؤكد أن التكنولوجيا التي يجري اختبارها في غزة سيتم تصديرها إلى باقي العالم كجزء من قطاع تكنولوجيا الأسلحة الإسرائيلي، ويمكن أن تظهر الخوارزميات الذكاء الاصطناعي المستخدمة لمهاجمة الأهداف الفلسطينية قريبا في صراعات أخرى من أفريقيا إلى أمريكا الجنوبية.

ويتناول الأمر التنفيذي لبايدن على وجه التحديد القضايا المتعلقة بسلامة الذكاء الاصطناعي وحماية المستهلك والخصوصية، ويتطلب الأمر تقييمات سلامة جديدة لمنصات الذكاء الاصطناعي الجديدة والحالية، وإرشادات الإنصاف والحقوق المدنية، والبحث عن تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل، وسيطلب من بعض شركات الذكاء الاصطناعي الآن مشاركة نتائج اختبارات السلامة مع حكومة الولايات المتحدة، كما تم توجيه وزارة التجارة لإنشاء إرشادات للعلامة المائية للذكاء الاصطناعي، فضلا عن أن برنامج للأمن السيبراني يمكنه صنع أدوات الذكاء الاصطناعي التي ستساعد في تحديد العيوب في البرامج الهامة.

وفي حين كانت الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى بطيئة في صياغة لوائح الذكاء الاصطناعي الشاملة، لكن كان هناك بعض التحرك في السنوات الأخيرة، وفي وقت سابق من هذا العام، حدد المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا (NIST) إطارا شاملا لإدارة مخاطر الذكاء الاصطناعي، وأصبح ذلك الإطار الأساس للأمر التنفيذي لإدارة بايدن، وأوعزت إدارة بايدن لوزارة التجارة، التي تضم NIST ، للمساعدة في بعض جوانب ذلك الأمر التنفيذي.

ويتمثل التحدي الآن في تأمين التأييد من شركات التكنولوجيا الأميركية الرائدة، فبدون تعاونهم ومن دون وجود إطار قانوني لمعاقبة الشركات التي لا تتبع القواعد لن ينجح أمر بايدن التنفيذي.

ولا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به، حيث تمكنت شركات التكنولوجيا إلى حد كبير من التطور مع القليل من الإشراف على مدى العقدين الماضيين، ويرجع ذلك جزئيا إلى عالم التكنولوجيا المترابط، حيث ابتكرت الشركات منتجات أو خدمات جديدة خارج الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تم إنشاء وتطوير تقنية الاستضافة السحابية الرائدة AWS من Amazon في جامعة كيب تاون في جنوب إفريقيا، بعيدا عن نطاق المنظمين الأمريكيين.

ومن خلال المشاركة الصادقة من الشركات الرائدة، يمكن لإدارة بايدن سن قوانين ولوائح أكثر شمولا. إن المشاركة الحكومية المباشرة في التكنولوجيا تنطوي دائما على خطر خنق الابتكار، ولكن هناك فرصة واضحة للبلدان الأصغر ذات الاقتصادات المعرفية لعب دور هام، حيث يمكن لدول مثل إستونيا والإمارات العربية المتحدة التي استثمرت في اقتصاداتها المعرفية ولديها عدد قليل من السكان (والبيئات التنظيمية) أن تحذو حذو بايدن في مجال تأمين الذكاء الاصطناعي، وسيكون لهذا تأثير قوي في مدن مثل دبي، حيث أنشأت شركات التكنولوجيا متعددة الجنسيات مكاتب إقليمية لها، ونظرا لوجود قدر أقل من الروتين في هذه البلدان، حيث يمكن سن اللوائح الخاصة  بالذكاء الاصطناعي بسرعة، وربما الأهم من ذلك، تعديلها إذا كانت تخنق تطوير القطاع بصورة مفرطة.

وبالنظر إلى قطاع تطوير التكنولوجيا شديد الترابط، لا يمكن للمجتمع الدولي أن ينتظر الدول أو الكتل الأكبر مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتمرير التشريعات أولا، وبدلا من ذلك، ينبغي للأسواق الجديدة التي لديها اقتصاداتها التكنولوجية أن تمضي قدما في وضع اللوائح التي تلبي احتياجاتها.

إن تطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي يحدث بوتيرة ملحوظة، ولأنه ضروري جدا لقطاع التكنولوجيا ككل، فإننا لا نملك ترف انتظار قادة العالم للتصرف أولا، لقد حان الوقت للعب دور القدوة في مجال القيادة، ولوائح وقوانين الذكاء الاصطناعي هي المكان المثالي للبدء.

جوزيف دانا كاتب مقيم في جنوب أفريقيا والشرق الأوسط. وقد قدم تقارير من القدس ورام الله والقاهرة واسطنبول وأبو ظبي. شغل سابقا منصب رئيس تحرير إمرج 85 ، وهو مشروع إعلامي مقره في أبو ظبي لاستكشاف التغيير في الأسواق الناشئة. تويتر: @ibnezra

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: