ماذا سيحدث بعد انتهاء حرب غزة؟

مثل حوار المنامة والذي عقد في البحرين  الأسبوع الماضي  أول فرصة لإجراء مناقشة على نطاق واسع بين أمريكا، الداعم الدولي الرئيسي للحرب التي لا تزال مستعرة في غزة، ودول الشرق الأوسط، الذي سيتعين عليها التعامل مع عواقب تلك الحرب، ولم تسر الأمور في ذلك الحوار على ما يرام.

 

ورغبت إدارة بايدن في إقناع الحلفاء العرب بالنهج المتشدد الذي تتبعه من خلال اراسل كبير مستشاريها إلى الشرق الأوسط بريت ماكغورك،  والذي عاد بخفي حنين، حيث تمسك الأخير بنفس الموقف الذي كرره بايدن لاحقا، وهو أن “وقف إطلاق النار ليس سلاما”. ويمثل ذلك اختلافا صارخا عن معظم زعماء الشرق الأوسط الذين يسعون إلى وقف فوري لإطلاق النار لوقف الخسائر الهائلة في صفوف المدنيين في غزة.

 

إن أميركا وحلفاءها العرب ليسوا على اتفاق فيما يتعلق بالحرب الحالية، كما أنهما على خلاف حول ما سيحدث بعد انتهائها، وهناك سببان لذلك، الأول هو أن العالم العربي يشعر بالقلق من أن الولايات المتحدة ستسمح لإسرائيل بتدمير غزة، وأن أمريكا تتوقع من العرب توفير المال والخبرة والعمالة لإعادة بنائها. وكان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي مباشرا في حديثه حيث قال: “نحن نقول للحكومة الإسرائيلية… بمجرد الانتهاء من الحرب، سنقوم نحن العرب بتنظيف الفوضى التي خلقتها؟ لا، لن نفعل”.

 

والجانب الثاني هو شكل الحكم الذي سيتبع إزالة حماس من غزة، وهنا تكمن المشكلة، لأن كل الخيارات المقدمة رفضت من جانب طرف من الأطراف.

 

وبشكل عام، هناك ثلاث خيارات لمشكلة ما بعد حماس (أي أنه إذا كان من الممكن القضاء على حماس، وهو ما أشار إليه العديد من المحللين على أنه سيكون صعبا أو مستحيلا).

 

والخيار الأول هو إعادة احتلال إسرائيل الكامل لغزة، والثاني هو عودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع الساحلي، والثالث هو إدارة سياسية أو أمنية من قبل أطراف خارجية، ربما حكومة مكونه من تحالف من الدول العربية أو إدارة تديرها الأمم المتحدة.

 

وقد روج لخيار إعادة الاحتلال الكامل أكثر من مسؤول إسرائيلي، بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ورفض البيت الأبيض ذلك الخيار  في اليوم التالي حيث قال المتحدث “إعادة احتلال غزة ليس العمل الصحيح الذي يجب القيام به”. لكن هذا لا يعني أنه خيار مستبعد، حيث قد تستمر الحرب لأكثر من عام، وقد تجلب الانتخابات الأميركية في العام المقبل رئيساً جديدا أكثر مرونة إلى البيت الأبيض. وإذا كان الخيار هو وجود قوة عربية أو دولية في الجوار لا تفي بوعودها، فقد تستنتج إسرائيل أنه من الأفضل ببساطة الانتظار إلى العام المقبل، وتقوم بـ “عمليات أمنية” لا نهاية لها، ثم ترى ما ستجلبه الانتخابات الأمريكية.

 

والخيار الثاني هو عودة السلطة الفلسطينية، وهو الخيار المفضل لدى واشنطن.

 

ولكن إذا كان الأمريكيون حريصين على ذلك تنفيذ ذلك الخيار، فإن السلطة الفلسطينية غير متحمسة له، على الأقل ليس وفقا للشروط الحالية المقترحة، حيث حكمت السلطة الفلسطينية أجزاء من الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل وغزة سابقا حتى سيطرت حماس عليها في 2007. وتريد السلطة الفلسطينية أن ترى تقدما سياسيا قبل أن تعود إلى غزة، إن مجرد الاستيلاء على حكم غزة دون أي تغييرات في الظروف الاقتصادية الخانقة من شأنه أن يضع السلطة الفلسطينية في صورة ضابط شرطة يعمل لصالح إسرائيل وأمريكا، أو ببساطة فرض القواعد التي تم تحديدها من قبل أطراف أخرين. وبالنسبة للسلطة الفلسطينية، التي تريد الفوز في الانتخابات المستقبلية “هذا إذا حصل ذلك” فاعتبارها أنها متواطئة في احتلال مستمر يمثل مشكلة كبيرة. كما أن معارضة عودة السلطة الفلسطينية ستأتي أيضا من الحكومة الإسرائيلية، حيث أعرب نتنياهو بالفعل عن معارضته لتولي السلطة الفلسطينية مسؤولية القطاع.

 

وهذا يتركنا أمام خيار قوة خارجية، إما تحالف عربي أو شيء ما تحت رعاية الأمم المتحدة، ويمكن رفض الأول، حيث قال الصفدي في المنامة بصورة مباشرة: “لن تكون هناك قوات عربية في غزة، اي لن ينظر إلينا في صورة العدو “. ويمكن افتراض أن الصفدي لم يكن يعبر عن موقف الأردن فحسب، بل موقف الدول العربية ذات الوزن الثقيل مثل المملكة العربية السعودية.

 

وهذا يتركنا أمام إمكانية وجود قوة تابعة للأمم المتحدة في غزة، ورغم أن هذا قد يكون مستساغا للجانبين فالعرب سوف يحصلون على رغبتهم في عدم الاضطرار إلى تنظيف الفوضى الإسرائيلية، في حين ستشعر إسرائيل بأن الفلسطينيين على الأقل ليسوا مسؤولين عن إدارة القطاع، لكن قد يكون ذلك الخيار هو الأكثر صعوبة على الإطلاق، لأنه سوف يتطلب شكلا من أشكال التفويض المعلن للجمهور، مما يعني أنه يجب شرح رؤية ما تفعله القوة بالضبط في غزة ولماذا. وهذا يقودنا إلى السؤال الأكثر حيوية والأكثر استعصاء – ما هي بالضبط صورة التسوية السياسية في غزة؟

 

السبب وراء تركيز الإسرائيليين على الاستراتيجية العسكرية، ولجوء الأمريكيون إلى الحديث القديم حول حل الدولتين المنسي تقريبا، هو أنه لا توجد تسوية سياسية يمكن تخليلها، لا توجد رؤية لما يمكن أن تصبح عليه غزة. ومن الأسهل بكثير التركيز على استراتيجية خاصة بهزيمة حماس في غزة بدلا من محاولة تخيل كيف سيبدو عليه المشهد السياسي بعد الحرب.

 

يكتب فيصل اليافعي حاليا كتابا عن الشرق الأوسط وهو معلق دائم الظهور على شبكات الأخبار التلفزيونية الدولية، وقد عمل في منافذ إخبارية مثل الجارديان وبي بي سي، وقدم تقارير عن الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية وآسيا وأفريقيا.

 X: @FaisalAlYafai

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: