سواء كنت من محبي تقنية التقاط الكربون أم من معارضيها فإنها موجود وستبقى

أجمعت وكالات الطاقة والحكومات والأمم المتحدة على أن احتجاز الكربون وتخزينه يعد سلاح أساسي في مكافحة التغيرات المناخية، وستكون التكنولوجيا جزءا أساسيا من النقاش الساخن في مؤتمر قمة المناخ 28 التي  ستبدأ في دبي في 30 نوفمبر.

 

لكن معظم الجماعات البيئية والعديد من الصحفيين المهتمين بالبيئة يعارضونها، ويسعون إلى تقديم الحجج والمبررات من أجل زوالها، فلماذا تعتبر التقنية حيوية ومثيرة للجدل في نفس الوقت؟

 

يعتبر احتجاز الكربون وتخزينه، أو المفهوم القريب منه احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه (CCUS)، بمثابة مجموعة من التقنيات لاحتجاز ثاني أكسيد الكربون، وهو الغاز الرئيسي المسؤول عن التغيرات المناخية، الذي تصدره محطات الطاقة والمنشآت الصناعية والمواقع الأخرى التي تحرق النفط، أو الغاز أو الفحم أو الكتل الحيوية أو النفايات الصلبة، أو الذي الغاز الذي ينبعث أثناء إنتاج الأسمنت.

 

وبعد انتاجه يتم نقل ثاني أكسيد الكربون بالأنابيب إلى موقع للتخلص منه بأمان على بعد آلاف الأمتار تحت الأرض، أو في حقول النفط أو الغاز المستهلكة، أو داخل التكوينات الصخرية التي تحتوي على مياه مالحة وغير صالحة للشرب، كما يمكن استخدامه لصنع الوقود والأسمدة والبلاستيك وتعزيز نمو النبات في البيوت الزجاجية وحتى لوضع الفوران في المشروبات.

ونشر تحالف ” وي مين بزنس” والمكون من  131 شركة تمثل ما يقرب من 1 تريليون دولار من الإيرادات السنوية،  رسالة تقول فيها: “ندعو جميع الأطراف التي ستحضر قمة المناخ كوب 28  في دبي إلى البحث عن نتائج من شأنها وضع الأساس لتحويل نظام الطاقة العالمي نحو التخلص التدريجي الكامل من الوقود الأحفوري بكل جدية وخفض الانبعاثات إلى النصف في هذا العقد ” ويعني بكل جدية في هذا السياق استخدام تقنيات الالتقاط لمنع الانبعاثات من ارتفاع درجة حرارة الكوكب.

 

ومع ذلك، فإن المقالات الأخيرة التي نشرتها بلومبرج، وصحيفة فاينانشال تايمز (التي نشرت تقريرا عن رسالة التحالفوصحيفة وول ستريت جورنال، وغيرها تناولت الإخفاقات الحقيقية أو المزعومة في العديد من مشاريع احتجاز الكربون. ونظرا لأن صناعة النفط والغاز تروج للتكنولوجيا، فإن تلك التقارير تبدأ من وجهة نظر أن احتجاز الكربون وتخزينه اختياري إلى حد ما، وأنه يجب على التقنية أثبات جدارتها، وأن التكنلوجيا في أحسن الأحوال ضرورة غير مرغوب فيها،  وهذا خطأ كبير ومضلل، ويشكل خطر على سياسة المناخ الناجحة.

 

ويتم حاليا التقاط حوالي 42.6 مليون طن سنويا في جميع أنحاء العالم، وهناك مشاريع قيد الإنشاء أو في مراحلها المتقدمة لالتقاط 198.2 مليون طن أخرى، ويتطلب سيناريو التنمية المستدامة لوكالة الطاقة الدولية 600 مليون طن إضافية من التقاط الكربون بصورة سنوية بحلول عام 2030. ولدى سيناريو صافي الصفر ما يقرب من 1 مليار طن بحلول ذلك الوقت.

 

ويتوسع احتجاز الكربون وتخزينه بسرعة ليتجاوز أمريكا الشمالية وأوروبا، ليصل إلى الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وأستراليا، وتخطط المملكة العربية السعودية للوصول  إلى 44 مليون طن من الاحتجاز السنوي في مدينة الجبيل العالمية بحلول عام 2035 ، وضاعفت شركة بترول أبو ظبي الوطنية الإماراتية مؤخرا هدفها لعام 2030 ليصل إلى 10 ملايين طن.

 

وهذه ليست طريقة “غير مثبتة” أو “محفوفة بالمخاطر” أو “مكلفة للغاية” كما يتصورها البعض، بل هي تقنية راسخة وفي طريقها للانتشار، وقد يتساءل المرء: لماذا لا نستخدم الطاقة المتجددة بالكامل بدلا من الوقود الأحفوري مع احتجاز الكربون وتخزينه؟

 

قد يكون بناء أنظمة الطاقة القائمة على مصادر الطاقة المتجددة بالكامل ممكن من الناحية النظرية، لكنه نادر، ولا يستخدم إلا في عدد قليل من البلدان الصغيرة (مثل أيسلندا) ، والتي تعتمد إلى حد كبير على الطاقة الكهرومائية، التي لها عيوب بيئية خاصة بها وتتطلب جغرافيا مناسبة، فالأنظمة التي تعتمد فقط على نسبة عالية من الرياح والطاقة الشمسية لم يسمع بها من قبل، وبقدر ما توجد، تعتمد على ترابطات كبيرة مع الشبكات الأخرى.

 

إن تضمين حصة من الكهرباء القائمة على الغاز في النظام يقلل التكاليف الإجمالية بشكل كبير ويزيد من الموثوقية، وتعد محطات الطاقة الغازية الجديدة ذات الالتقاط المتكامل للكربون بطاقة نظيفة منخفضة التكلفة للغاية. والأهم من ذلك ، أن العديد من العمليات الصناعية الأساسية ليس لديها بديل غير الوقود الأحفوري، ويشمل ذلك صناعة الحديد والصلب والأسمنت والأسمدة والمواد الكيميائية والتكرير.

 

ويعد إطلاق ثاني أكسيد الكربون جزءا لا يتجزأ من الإنتاج في قطاع صناعة الأسمنت والعديد من العمليات الكيميائية، وبعض القطاعات الصناعية الآخر لديها خيارات كهربائية أو قائمة على الهيدروجين لكنها باهظة الثمن، وغالبا ما تكون غير جاهزة من الناحية التكنولوجية، ومن المستحيل تعديلها حسب المرافق القائمة. ويمكن تقديم تلك الحلول خلال عام 2030، لكننا بحاجة إلى اتخاذ إجراءات حاسمة بشأن الانبعاثات في هذا العقد لنكون على مقربة من صافي الصفر بناء على هدف الأمم المتحدة لعام 2050.

 

إن احتجاز الكربون وتخزينه مدعوم بالفعل من قبل صناعة النفط والغاز، وتماما كما يتم دعم الطاقة الشمسية من قبل صناعة الطاقة المتجددة، وطاقة الرياح من قبل البلدان التي تشهد هبوب الرياح، وقد جعلت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والنرويج وبريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا وكندا وغيرهم من منتجي الوقود الأحفوري من تقنية الاحتجاز جزءا أساسيا من استراتيجياتهم المناخية، ويعكس ذلك المصلحة الذاتية ولكنه أيضا حل عملي.

 

وسيظل الوقود الأحفوري جزءا رئيسيا من مزيج الطاقة العالمي حتى عام 2050 وما بعده ، وحتى في سيناريوهات “صافي الصفر” رغم أنا بعيدون كل البعد عن أن نكون على المسار الصحيح لذلك الهدف،  وكلما زاد ثاني أكسيد الكربون الذي نبعثه الآن، كلما توجب علينا إزالته من الغلاف الجوي في المستقبل، وتؤكد التغطية على السجل الكئيب لمعظم تعويضات الكربون القائمة على أساس بيولوجي، إنقاذ الغابات التي لم تكن في خطر أو التي احترقت بعد إصدار الائتمانات. وعلى النقيض من ذلك، فإن احتجاز الكربون وتخزينه والتقاط ثاني أكسيد الكربون من الهواء مباشرة في الغلاف الجوي، يوفران  الحل للتخلص الدائم الذي يمكن التحقق منه وقياسه.

 

وبدلا من مهاجمة احتجاز الكربون وتخزينه والسعي إلى وقفه، ينبغي للصحفيين والناشطين البيئيين أن يحاسبوا شركات النفط والبلدان، ويطالبونها بالوفاء بالتزاماتها المتعلقة باحتجاز الكربون وتخزينه، وينبغي لهم أن يدققوا في السياسات التي فشلت في دعم احتجاز الكربون وتخزينه بالقدر الكافي، أو السياسات التي لا تضعه على قدم المساواة مع مصادر الطاقة المتجددة، والسيارات الكهربائية، وغير ذلك من الخيارات الأكثر تفضيلا من الناحية السياسية الصديقة للمناخ، ويجب أن يسألوا أين أخطأت بعض تلك المشاريع السابقة المتعثرة، وكيفية نستطيع تجنب أخطاء مماثلة في المستقبل.

 

 

روبن ميلز هو الرئيس التنفيذي لشركة قمر للطاقة، ومؤلف كتاب “أسطورة أزمة النفط”.

 X: @robinenergy

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: