رغم الطموحات التركية سيبقى دور أنقرة في غزة محدودا

مع تصاعد حدة التوتر في غزة وحولها، ومع قصف إسرائيل لمعقل حماس بينما تستعد لغزو بري محتمل، تركز القوى الإقليمية على إنقاذ أرواح المدنيين وتحقيق وقف لإطلاق النار. وينظر إلى مصر بحدودها البرية، وقطر وهي حليف حماس منذ فترة طويلة، على أنهما الوسيطان الأكثر حظا في صراع قد يخرج عن السيطرة في أي وقت، لكن تركيا منافس آخر للعب دور الوساطة وهي منافس لا يمكن تجاهله.

 

ووجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهو مؤيد قوي لحماس، سهام النقد للولايات المتحدة منذ بدء الهجمات، ودعا إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية ضمن حدود عام 1967 وحذر من أن المناورات العسكرية الأمريكية في المنطقة قد تؤدي إلى “مذابح خطيرة” في غزة.

 

ودعا القادة الأجانب بدورهم أنقرة إلى التدخل، وحثت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك تركيا على توظيف علاقاتها الدبلوماسية مع حماس للضغط من أجل إطلاق سراح الرهائن ومن بينهم مواطنون ألمان، وردا على ذلك، كشف نظير بيربوك التركي، هاكان فيدان، النقاب عن خطة سلام تركية. ولكن هل يطلب الغرب من تركيا ما تعجز تركيا عن تقديمه؟ ويبدو أن المجتمع الدولي، الذي يائس من الوصول إلى حل، مستعد لتلقي المساعدة من أي مكان، ولكن هناك سببان يجعلان من غير المرجح أن يكون هذا المكان هو أنقرة.

 

والسبب الأول هو ببساطة أن علاقة أنقرة مع حماس، على الرغم من أنها قد تكون مفيدة في هذا الوضع، إلا أنها علاقة وطيدة للغاية بحيث لا يمكن للعديد من قادة العالم قبولها، والسبب الثاني أكثر تعقيدا، وينطوي على حرب تركيا ضد قوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد في شمال سوريا، فعلى عكس العديد من الدول في الغرب، لم تصنف تركيا حماس منظمة إرهابية، بل عمقت علاقاتها مع الجماعة على مدى العقد الماضي، وفي عام 2012 وبمباركة تركيا، افتتحت حماس مكتبا في إسطنبول، ومع تطور الحرب الأهلية في سوريا، نظر وزير الخارجية آنذاك أحمد داود أوغلو إلى توثيق العلاقات مع حماس كوسيلة للحفاظ على النفوذ في المنطقة.

 

وقد أثار ذلك قلقا في إسرائيل، حيث تدهورت العلاقات مع أنقرة بعد الغارة على أسطول غزة في شهر مايو 2010. وخلال تلك الصدامات، أدت عملية عسكرية إسرائيلية ضد السفينة التركية “مافيمرمرة” التي كانت تسعى لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، إلى مقتل تسعة نشطاء وجرح 10 من قوات الكوماندوز الإسرائيلية. وتوترت العلاقات أكثر في شهر ديسمبر 2021 عندما نشر “مركز القدس للشؤون العامة” تقريرا نقلا عن معلومات استخباراتية إسرائيلية، اتهم حماس بتخطيط وتوجيه مئات الهجمات الإرهابية ضد الإسرائيليين من مقرها في اسطنبول.

 

ولكن بدلا من تقليص علاقاتها مع «حماس»، ضاعفت إدارة أردوغان من قوة تلك العلاقة، حتى أنها منحت الجنسية لكبار قادة «حماس» ونشطائها، واشار سنان سيدي، الخبير التركي في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، في واشنطن إلى أن أردوغان “حافظ على علاقات دافئة مع كبار مسؤولي حماس” بمن فيهم الزعيم السياسي البارز إسماعيل هنية والقائد صالح العاروري، “وهما من العقول المدبرة المحتملة وراء الهجمات الأخيرة”. ومن المتوقع أن يحبط هجوم حماس تطور العلاقات بين تركيا وإسرائيل التي بدأت تتحسن بعد أن استعادت العلاقات الدبلوماسية الكاملة في شهر  أغسطس من العام الماضي.

 

وليس من المستغرب أن يدعو القادة في الولايات المتحدة وإسرائيل تركيا الآن إلى توضيح علاقتها مع حماس، وإغلاق مكاتب الحركة في تركيا، وإلغاء جوازات السفر التركية لقادتها، وبالتالي، فإن السؤال المطروح على أردوغان هو ما إذا كان يريد أن يكون مفاوضا أم ميسرا.

 

أما الحاجز الثاني فهو علاقات تركيا مع الأكراد وقوات سوريا الديمقراطية وهو حاجز من الصعب تجاوزه.

 

في حين احتفاظ تركيا بعلاقات مع حركة حماس المتشددة، فقد شنت هجوما ضد وحدات حماية الشعب في سوريا، وهي الجماعات المسلحة ذات الأغلبية الكردية التي تشكل قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الغرب، ووصف أردوغان وحدات حماية الشعب بأنها إرهابية بسبب صلتها بحزب العمال الكردستاني الذي يملك عصابات مسلحة داخل تركيا. وبعد الضربة الأخيرة ضد قوات سوريا الديمقراطية، حيث وقع هجوم تركي بطائرة بدون طيار بالقرب من قاعدة أمريكية في شمال شرق سوريا، وقع الرئيس الأمريكي جو بايدن أمرا تنفيذيا بتمديد الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة.

 

كما تسبب صراع تركيا مع حزب العمال الكردستاني وبالتبعية مع وحدات حماية الشعب أو قوات سوريا الديمقراطية في خلق صداع جيوسياسي في أوروبا، حيث اتهم إردوغان السويد، العضو الطامح في حلف شمال الأطلسي، بإيواء مقاتلي حزب العمال الكردستاني، وردا على ذلك، أوقف محاولة السويد لعضوية الناتو.

 

وتنظر واشنطن إلى تصرفات تركيا، وخطاب أردوغان المناهض للولايات المتحدة، على أنها خطوات تهدف إلى طرد الولايات المتحدة من الأراضي السورية، وهذا يفسر على الأرجح لماذا لم تكن تركيا من بين العديد من الدول التي زارها وزير الخارجية أنتوني بلينكن خلال جولته الأخيرة في الشرق الأوسط، ولماذا يعتبر مقياس الثقة بين الحليفين في أدنى مستوياته على الإطلاق.

 

وفي ظل هذا المناخ المسموم، من غير المرجح أن يلجأ الرئيس بايدن، الذي وصل إلى إسرائيل هذا الأسبوع، إلى أردوغان في مثل هذه الورطة، وعلى الرغم من طموح أنقرة في التوسط لحل الصراع، فإن مصر وقطر هما اللتان ستجلسان على الطاولة في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن إلى الخروج من أزمة غزة.

 

يافوز بيدار: صحفي ومحلل بارز في وسائل الإعلام التركية والدولية، وشغل سابقا منصب رئيس تحرير موقع أحوال تركية وشغل منصب أول أمين مظالم إخباري مستقل في تركيا بين عامي 1999 و2013.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: