حرب غزة وإسرائيل:إدانة الانتقام الإسرائيلي

حرب غزة وإسرائيل:إدانة الانتقام الإسرائيلي

 

 

بقلم جوناثان جرونال

 

يعتبر مبدأ العدالة المتناسبة من بين العديد من الموضوعات المشتركة الموجودة في الكتب المقدسة بين كل من الديانات الإبراهيمية اليهودية والإسلام والمسيحية، المنصوص عليه في العبارة القديمة “العين بالعين”.

 

ويبدو أن إسرائيل قد تجاهلت ذلك المبدأ لأنها تتعامى عن جميع الدعوات التي تنادي بضبط النفس مصممة على تدمير كل ما يمت بصلة لحماس، بغض النظر عن التكلفة في الأرواح البريئة.

 

ويتجادل العلماء الحاخاميون والإسلاميون والمسيحيون فيما بينهم حتى يومنا هذا حول التفسير الصحيح للتحذير الذي تم نقشه لأول مرة، حرفيا على الحجر، في نص قانوني أكادي كتب بين عامي 1792 و1750 قبل الميلاد. وهو قانون حمورابي ، ملك بابل الذي حفرت قوانينه بالكتابة المسمارية على صفيح بازلتي أو عمود حجري، والذي يمكن رؤيته اليوم في متحف اللوفر في باريس.

 

ويُعد حمورابي أحد أكثر الحكام وحشية في بلاد ما بين النهرين القديمة، وكان سيشعر بالحيرة من الجدل الناجم عن قانون وضعي يمكن وصفه بأنه قاس، لكنه عادل، فلم يترك قانون حمورابي أي شك لأحد في عصره حول عواقب مجموعة من الأفعال التي اعتبرت منذ أكثر من 3800 عام تجاوزات اجتماعية خطيرة، “إذا ضرب الابن أباه، تقطع يد الابن” و”إذا اتلف رجل عين رجل آخر، تُتلف عينه.” و “إذا كسر رجل أسنان رجل آخر، تكسر أسنانه.” وهكذا.

 

والكلمة التي تظهر غالبا في القانون هي “الموت”  وهي عقوبة تصدر على جرائم تشمل السرقة والسطو والاغتصاب، وبالطبع القتل، بغض النظر عن سببه. وبالنسبة للحساسية التي نعيشها في عصرنا، فإن وزن قيمة الأرواح البشرية مثل الفاكهة على الميزان يبدو بغيضا، إلى أن يفكر المرء في البديل المروع.

 

وفي التاريخ الحديث الذي شهد الكثير من المآسي، تبنت الولايات المتحدة هذا البديل في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، التي قتل فيها 2,977 شخصا، ووفقا لمشروع تكاليف الحرب في معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة بجامعة براون  كلفت حروب أمريكا في العراق وأفغانستان  في آخر إحصاء حياة 14،490 من الأفراد العسكريين الأمريكيين والمقاولين المدنيين.

 

ولكن حتى تلك الممارسة غير المتناسبة تتضاءل مقارنة بالثمن البشع الذي تم دفعه في العراق وأفغانستان، حيث قدم أكثر من 350 ألف من أفراد الجيش والشرطة والمدنيين الوطنيين حياتهم ثمنا للمذبحة التي ارتكبها 19 من قتلة القاعدة في نيويورك وبنسلفانيا وفيرجينيا في 11 سبتمبر 2001. ويبدو أن إسرائيل، التي لا تصر على العدالة، بل على الانتقام لـ 1400 ضحية الذي قضوا هجوم حماس في 7 أكتوبر، قد سلكت نفس المسار الدموي غير المنطقي في غزة.

 

وتقول وزارة الصحة التي تديرها حماس في غزة إن أكثر من 8000 مدني، معظمهم من النساء والأطفال، قتلوا بالقنابل والرصاص الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر، والرقم بالطبع مختلف عليه. ولكن سواء كان العدد 8000 أو 4000، تبقى الفكرة قائمة، إن فقدان الأرواح الإسرائيلية البريئة يتم الانتقام منه من خلال مذبحة عشوائية وغير متناسبة تماما للفلسطينيين الأبرياء.

 

والحقيقة التي يجب أن تصدم المجتمع الدولي هي أن مثل هذه المذبحة غير المتناسبة ليست أكثر من نشاط يومي لدولة تفتخر بأنها “نور للعالم“. وبدلا من ذلك، كان العالم ولا يزال، متواطئا في الأعمال الإسرائيلية الشائنة التي ترتكب باسم الدفاع عن النفس.

 

وطبقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد قتل 177 مواطنا إسرائيليا وجرح 4735 آخرين على يد الجماعات الفلسطينية المسلحة والمدنيين بين 1 يناير 2008 ونهاية سبتمبر من هذا العام. وخلال الفترة نفسها، قتل 3,754 مدنيا فلسطينيا على يد القوات الإسرائيلية أو المستوطنين، وأصيب أكثر من 152,000 آخرين بجروح، ومن الواضح بالفعل أن الأرقام المستمدة من الكارثة الحالية ستزيد من ذلك الاختلال في القياس عند جمعها وتأكيدها في نهاية المطاف.

 

هذه ليست عدالة، بل هي انتقام جامح وغير مقيد.

 

ومنذ تأسيس إسرائيل في عام 1948 في أعقاب الحرب العالمية الثانية، غضت العديد من الدول الطرف عن تجاوزات إسرائيل في علاقتها مع الفلسطينيين بسبب حساسية قضية المحرقة، وبقيامها بذلك، خذلها أصدقاء إسرائيل.

 

اليهود هم “الشعب المختار” ذلك مبدأ جوهري في اليهودية، وهم المكلفون من الله بمهمة قيادة العالم على طريق الأخلاق.

 

وتحدث ديفيد بن غوريون، مؤسس إسرائيل وأول رئيس وزراء، وكتب كثيرا عن مسؤولية إسرائيل في أن تكون منارة أخلاقية ومعنوية أو “نور الأمم” المشار إليه في سفر إشعياء في الكتاب المقدس العبري.

 

هذه الفكرة المغرورة أن إسرائيل هي النور الأخلاقي للعالم قد انتقل من زعيم إلى زعيم، بما في ذلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ففي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 19 سبتمبر 2017، عشية رأس السنة اليهودية، استحضر نتنياهو كلمات النبي وقال إن “نور إسرائيل يسطع عبر القارات، ويجلب الأمل والخلاص إلى أقاصي الأرض”. ولكن ليس لجيرانها في فلسطين.

 

إن الأمة التي لا تستطيع أن ترى التفاوت البشع في حجم عدد القتلى في إسرائيل والأراضي الفلسطينية لم تغفل عن المبدأ القديم المتمثل في العين بالعين فحسب، بل خسرت أيضا ادعائها بأنها منارة الأخلاق في العالم.

 

 

جوناثان جورنال صحفي بريطاني، عمل سابقا مع صحيفة التايمز، وعاش وعمل في الشرق الأوسط ويقيم الآن في المملكة المتحدة.

 

 

بقلم جوناثان جرونال

 

يعتبر مبدأ العدالة المتناسبة من بين العديد من الموضوعات المشتركة الموجودة في الكتب المقدسة بين كل من الديانات الإبراهيمية اليهودية والإسلام والمسيحية، المنصوص عليه في العبارة القديمة “العين بالعين”.

 

ويبدو أن إسرائيل قد تجاهلت ذلك المبدأ لأنها تتعامى عن جميع الدعوات التي تنادي بضبط النفس مصممة على تدمير كل ما يمت بصلة لحماس، بغض النظر عن التكلفة في الأرواح البريئة.

 

ويتجادل العلماء الحاخاميون والإسلاميون والمسيحيون فيما بينهم حتى يومنا هذا حول التفسير الصحيح للتحذير الذي تم نقشه لأول مرة، حرفيا على الحجر، في نص قانوني أكادي كتب بين عامي 1792 و1750 قبل الميلاد. وهو قانون حمورابي ، ملك بابل الذي حفرت قوانينه بالكتابة المسمارية على صفيح بازلتي أو عمود حجري، والذي يمكن رؤيته اليوم في متحف اللوفر في باريس.

 

ويُعد حمورابي أحد أكثر الحكام وحشية في بلاد ما بين النهرين القديمة، وكان سيشعر بالحيرة من الجدل الناجم عن قانون وضعي يمكن وصفه بأنه قاس، لكنه عادل، فلم يترك قانون حمورابي أي شك لأحد في عصره حول عواقب مجموعة من الأفعال التي اعتبرت منذ أكثر من 3800 عام تجاوزات اجتماعية خطيرة، “إذا ضرب الابن أباه، تقطع يد الابن” و”إذا اتلف رجل عين رجل آخر، تُتلف عينه.” و “إذا كسر رجل أسنان رجل آخر، تكسر أسنانه.” وهكذا.

 

والكلمة التي تظهر غالبا في القانون هي “الموت”  وهي عقوبة تصدر على جرائم تشمل السرقة والسطو والاغتصاب، وبالطبع القتل، بغض النظر عن سببه. وبالنسبة للحساسية التي نعيشها في عصرنا، فإن وزن قيمة الأرواح البشرية مثل الفاكهة على الميزان يبدو بغيضا، إلى أن يفكر المرء في البديل المروع.

 

وفي التاريخ الحديث الذي شهد الكثير من المآسي، تبنت الولايات المتحدة هذا البديل في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، التي قتل فيها 2,977 شخصا، ووفقا لمشروع تكاليف الحرب في معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة بجامعة براون  كلفت حروب أمريكا في العراق وأفغانستان  في آخر إحصاء حياة 14،490 من الأفراد العسكريين الأمريكيين والمقاولين المدنيين.

 

ولكن حتى تلك الممارسة غير المتناسبة تتضاءل مقارنة بالثمن البشع الذي تم دفعه في العراق وأفغانستان، حيث قدم أكثر من 350 ألف من أفراد الجيش والشرطة والمدنيين الوطنيين حياتهم ثمنا للمذبحة التي ارتكبها 19 من قتلة القاعدة في نيويورك وبنسلفانيا وفيرجينيا في 11 سبتمبر 2001. ويبدو أن إسرائيل، التي لا تصر على العدالة، بل على الانتقام لـ 1400 ضحية الذي قضوا هجوم حماس في 7 أكتوبر، قد سلكت نفس المسار الدموي غير المنطقي في غزة.

 

وتقول وزارة الصحة التي تديرها حماس في غزة إن أكثر من 8000 مدني، معظمهم من النساء والأطفال، قتلوا بالقنابل والرصاص الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر، والرقم بالطبع مختلف عليه. ولكن سواء كان العدد 8000 أو 4000، تبقى الفكرة قائمة، إن فقدان الأرواح الإسرائيلية البريئة يتم الانتقام منه من خلال مذبحة عشوائية وغير متناسبة تماما للفلسطينيين الأبرياء.

 

والحقيقة التي يجب أن تصدم المجتمع الدولي هي أن مثل هذه المذبحة غير المتناسبة ليست أكثر من نشاط يومي لدولة تفتخر بأنها “نور للعالم“. وبدلا من ذلك، كان العالم ولا يزال، متواطئا في الأعمال الإسرائيلية الشائنة التي ترتكب باسم الدفاع عن النفس.

 

وطبقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد قتل 177 مواطنا إسرائيليا وجرح 4735 آخرين على يد الجماعات الفلسطينية المسلحة والمدنيين بين 1 يناير 2008 ونهاية سبتمبر من هذا العام. وخلال الفترة نفسها، قتل 3,754 مدنيا فلسطينيا على يد القوات الإسرائيلية أو المستوطنين، وأصيب أكثر من 152,000 آخرين بجروح، ومن الواضح بالفعل أن الأرقام المستمدة من الكارثة الحالية ستزيد من ذلك الاختلال في القياس عند جمعها وتأكيدها في نهاية المطاف.

 

هذه ليست عدالة، بل هي انتقام جامح وغير مقيد.

 

ومنذ تأسيس إسرائيل في عام 1948 في أعقاب الحرب العالمية الثانية، غضت العديد من الدول الطرف عن تجاوزات إسرائيل في علاقتها مع الفلسطينيين بسبب حساسية قضية المحرقة، وبقيامها بذلك، خذلها أصدقاء إسرائيل.

 

اليهود هم “الشعب المختار” ذلك مبدأ جوهري في اليهودية، وهم المكلفون من الله بمهمة قيادة العالم على طريق الأخلاق.

 

وتحدث ديفيد بن غوريون، مؤسس إسرائيل وأول رئيس وزراء، وكتب كثيرا عن مسؤولية إسرائيل في أن تكون منارة أخلاقية ومعنوية أو “نور الأمم” المشار إليه في سفر إشعياء في الكتاب المقدس العبري.

 

هذه الفكرة المغرورة أن إسرائيل هي النور الأخلاقي للعالم قد انتقل من زعيم إلى زعيم، بما في ذلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ففي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 19 سبتمبر 2017، عشية رأس السنة اليهودية، استحضر نتنياهو كلمات النبي وقال إن “نور إسرائيل يسطع عبر القارات، ويجلب الأمل والخلاص إلى أقاصي الأرض”. ولكن ليس لجيرانها في فلسطين.

 

إن الأمة التي لا تستطيع أن ترى التفاوت البشع في حجم عدد القتلى في إسرائيل والأراضي الفلسطينية لم تغفل عن المبدأ القديم المتمثل في العين بالعين فحسب، بل خسرت أيضا ادعائها بأنها منارة الأخلاق في العالم.

 

 

جوناثان جورنال صحفي بريطاني، عمل سابقا مع صحيفة التايمز، وعاش وعمل في الشرق الأوسط ويقيم الآن في المملكة المتحدة.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: