تصاعد موجة فوبيا الهجرة في أوروبا

في هولندا فاز أحد أحزاب اليمين المتطرف في الماضي بعدد مقاعد في الانتخابات العامة الهولندية أكثر مما فازت به أي جماعة سياسية أخرى.

 

وفي دبلن أسفر هجوم بسكين أمام إحدى المدارس عن اندلاع أعمال الشغب والسلب والنهب على يد عصابات اليمين.

 

وفي المملكة المتحدة كشف اقتراع YouGov الأخير عن تزايد الدعم لحزب الإصلاح اليميني.

 

تُعَد السمة المشتركة بين كل هذه الأحداث الأخيرة هي الهجرة، وهي الموضوع الذي بات متصدرًا الأجندات السياسية في مختلف بلدان أوروبا، ما يهدد بتحول الديموقراطيات الليبرالية إلى معاقل للتعصب مناهضة للحريات.

 

لا يختلطن عليك الأمر. فهذا لا يرتبط بالهجرة “غير الشرعية”. بل إن ما تراه هو التعصب في أبهى صوره.

 

لنأخذ على سبيل المثال حكومة المملكة المتحدة التي تختلق أزمة “وقف الهجرة غير الشرعية” عبر القنال الإنجليزي.

إلا أن أعداد تلك الظاهرة ضئيلة مقارنةً بأعداد المهاجرين القادمين إلى المملكة المتحدة بطريقة شرعية للعمل كأطباء وطواقم تمريض ومساعدات في رعاية المنزل، أو كطلاب يدرسون.

 

وحتى هؤلاء الطلاب لم يسلموا من الانتقادات.

 

تشهد المملكة المتحدة رقمًا قياسيًا من الطلاب القادمين إليها من الخارج للدراسة. وتحصِّل الجامعات من الطلاب الأجانب رسومًا تقدَّر بالملايين؛ حيث تفرض عليهم رسومًا أعلى بكثير من نظرائهم البريطانيين، وجميعها مبالغ تسهم بشكل ضخم في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

 

صحيح أن بعض هؤلاء الطلاب يمكثون في البلاد بعد إتمام دراستهم. ولكنهم إن قاموا بذلك، فهذا لأنهم استطاعوا الحصول على وظائف ويدفعون الآن الضرائب إلى خزينة الدولة.

 

وعلى الرغم من ذلك، يطالب سياسيو اليمين بعدم السماح لأولئك الطلاب باستقدام عائلاتهم للعيش معهم.

 

 

تمضي أوروبا معصوبة العينين نحو عصر مظلم جديد لا يعبأ بأكثر من 70 مليون شخص لقوا حتفهم جراء الحرب العالمية الثانية، سعيًا منها إلى التخلص من الأيدولوجية النازية السرطانية التي تؤمن بتفوق بعض الأجناس على الأخرى.

 

تتخذ هذه الموجة الشديدة من فوبيا الهجرة في أوروبا بعض المغالطات أساسًا لها: إن القارة الأوربية أصبحت في حاجة إلى الهجرة في ظل انخفاض معدلات مواليدها.

 

ويشكل المهاجرون في المملكة المتحدة على وجه التحديد جزءًا كبيرًا من القوة العاملة، بما يشمل الأطباء وطواقم التمريض، وكذلك يشغلون عديدًا من الوظائف منخفضة الأجور.

 

ولكن في الوقت نفسه، يروج سياسيو اليمين لفكرة مغلوطة وهي أن المهاجرين يستولون على وظائفنا ويحتلون منازلنا، ويكتظ بهم نظامنا الصحي؛ والأدهى من ذلك أنهم “يغيرون ملامح بلادنا أمام أعيننا”.

 

وردت تلك المقولة التحريضية على لسان ريتشارد تايس؛ المطور العقاري البريطاني الثري الذي أسس حزب “بريكست”، ويتزعم الآن حزب “إصلاح المملكة المتحدة” الذي أعقبه؛ حيث يقول إن بريطانيا “محطمة” وتحتاج إلى “التخلص تمامًا من الهجرة”.

 

كما يزعم أن الحكومة المحافظة قد “خانت” الشعب البريطاني -على حد قوله- لسماحها بوصول الهجرة في المملكة المتحدة إلى ذلك الارتفاع القياسي.

 

نعم؛ قد حدث ذلك بالفعل، ولكن لولا حدوثه لتداعى اقتصاد بريطانيا.

 

والآن باتت الأحزاب السياسية التقليدية الأكثر عقلانية في أوروبا في مأزق. فإذا تجاهلت تلك الموجة العنصرية العالية فسيطاح بها، لذا تجدها تسبح مع التيار.

 

يلاحظ أن الحكومة المحافظة في المملكة المتحدة الحكومة مفككة ومشتتة بين التصريحات المتضاربة لما تبقى من قلة وسطية من نواب البرلمان المنتمين إلى ذلك الحزب الذي تحاصره الضغوط من كل جانب، وأولئك المتطرفين أمثال وزيرة الداخلية المُقالة مؤخرًا سويلا برافرمان المسؤولة عن تلك السياسة الغريبة التي تقضي بإرسال المهاجرين إلى رواندا.

 

يُذكر أن حكومة هولندا المكونة من تحالف أربعة أحزاب قد سقطت في يوليو الماضي بعد إخفاقها في الوصول إلى اتفاق بشأن التدابير اللازمة للسيطرة على تدفق المهاجرين.

 

وفي خضم هذا الفراغ الأخلاقي يظهر خيرت فيلدرز اليميني الراديكالي، ذلك الرجل عديم المنطق الذي يتشدق بـ “تسونامي طلب اللجوء والهجرة” ليتعهد “بحظر” القرآن وإغلاق حدود البلاد وتزعم حركة خروج هولندا من الاتحاد الأوروبي على غرار ما فعلته بريطانيا.

 

من ناحية، يبدو هذا البغض المتزايد للأجانب غير الأوروبيون مثيرًا للسخرية، خاصة وأنه نتيجة مباشرة للاستعمارية التي مارستها الدول الأوروبية أمثال المملكة المتحدة وهولندا على العالم طوال قرون.

 

لكن هذه الحقيقة لا تقلل من شأن تلك المناطق الشاسعة التي تسود فيها آراء فيلدرز.

 

لا شك أن فوائد التنوع الثقافي تبدو واضحة، وهي عديدة لا حصر لها، لكن تقديم التعدد الثقافي كأنه تهديد للمجتمعات بدلاً من كونه ثروة من ثرواتها يفضح لنا ما تخبئه نفوس سياسيي اليمين من عنصرية.

 

احتشد بعض العوام المناهضين للمهاجرين في أيرلندا الأسبوع الماضي في أعقاب حادثة طُعن فيها خمسة أشخاص من بينهم طفلة في الخامسة من عمرها أمام مدرسة ابتدائية في دبلن.

 

وعلى حد قول الشرطة، انتشرت “تكهنات مفعمة بالكراهية” بأن المهاجم كان من جنسية أجنبية انتشارًا سريعًا، واجتاح أولئك المخربون الشوارع معربين عن ازدرائهم للأجانب، والغريب أن ذلك كان من خلال سلب ونهب المتاجر الأيرلندية.

 

ومن المثير للسخرية أن الرجل الذي خاطر بحياته لإنقاذ الجرحى هو نفسه من المهاجرين؛ حيث يعمل في توصيل الوجبات السريعة ويعول طفلين، وترجع أصوله إلى البرازيل.

 

من المؤسف أن أوروبا تقبع تحت تأثير أولئك الذين يبرزون اختلافاتنا بدلاً من أوجه التشابه بيننا، في محاولة خبيثة منهم للاستيلاء على السلطة.

 

في الواقع، تعود جذور كل الاضطرابات التي تحدث في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي أسهمت إلى حد كبير في نشأة مشكلات الهجرة لدى أوروبا إلى التدخل الأوروبي في شؤون المنطقة الذي يعود بدوره إلى الحرب العالمية الأولى.

 

يتمثل التحدي الآن أمام عموم سياسيي أوروبا المعتدلين في الإقرار بهذا التاريخ وخط سطوره بأيديهم، والتمسك بحبل النزاهة، ومجابهة الأقاويل المغلوطة التي يروج لها المتطرفون بدلاً من الانسياق وراءها.

 

ولكن حتى الآن لم يظهر على الساحة من يستطيع التصدي لهذا التحدي، وتسير أوروبا بخطى ثابتة نحو عصر مظلم أخلاقي.

 

جوناثان جورنال هو صحفي بريطاني كان يعمل سابقًا لدى جريدة التايمز، وقد عاش وعمل من قبل في الشرق الأوسط، ويقيم حاليًا في المملكة المتحدة.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: