تركيا تتودد إلى إخوانها الأتراك في الجمهوريات السوفيتية السابقة لتتمكن من الوقوف أمام روسيا

بينما يركز العالم على تخفيف حدة الحرب بين إسرائيل وحماس والصراع المستمر في أوكرانيا، تركز تركيا على الظفر بموطئ قدم في الجمهوريات السوفيتية السابقة في جنوب القوقاز وآسيا الوسطى. وتوفر الثقافة المشتركة الأساس المنطقي لتوثيق وشائج العلاقات، والواقع أن الصفقات التجارية والأمنية، التي تم التفاوض عليها مع منظمة مجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية (OST)تمثل الدافع الفعلي.

 

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قمة OTS الأسبوع الماضي في العاصمة الكازاخستانية أستانا، إن اللغة التركية هي التي تربط تركيا بأذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وتركمانستان وأوزبكستان، وردد الزعيم التركي الدعوات إلى أبجدية تركية مشتركة، وقال إن عنصر اللغة مهد الطريق لوحدة تلك الدول.

 

وعلى الرغم من أن النداء رمزي إلى حد كبير، إلا أنه كان رسالة إلى كازاخستان وأوزبكستان  للتخلي عن الحروف السيريلية، التي تشكل أساس النص الروسي  لصالح الأبجدية اللاتينية، التي اعتمدتها تركيا في عام 1928. وقامت أذربيجان حليفة أنقرة بتلك الخطوة في عام 2001 في خطوة ينظر إليها بوضوح على أنها تنصل من الحكم السوفيتي السابق، بينما تحولت تركمانستان إلى النص اللاتيني حتى قبل ذلك في تسعينيات القرن العشرين وهي  دولة في منصب مراقب في OTS.

 

وبالنسبة لتركيا، فإن المنظمة هي أكثر من مجرد كتلة لإنشاء سيناريو مشترك، بل إنها أداة ناشئة يمكن أن تساعد تركيا  على إخراج روسيا من جنوب القوقاز وآسيا الوسطى، وهي مناطق مهمة استراتيجيا حيث يشكل الناطقون بالتركية معظم السكان.

 

والسؤال الكبير هو ما إذا كان الأعضاء الآخرون في منظمة OST يشاركون تركيا ذلك الطموح، وتشير الأدلة حتى الآن إلى أن تلك الدول لا تملك ذلك الحماس.على سبيل المثال، يتمثل أحد أهداف تركيا في إقناع دول OTS بدعم الجمهورية التركية لشمال قبرص (TRNC)، حيث تعتبر جمهورية شمال قبرص التركية، المعترف بها من قبل تركيا فقط، جزءا من جمهورية قبرص، ومثل تركمانستان، تعد جمهورية شمال قبرص التركية دولة في منصب مراقب في منظمة OTS.

 

وفي الوقت نفسه، يبدو أن أعضاء منظمة الدول التركية منقسمون بشأن موقفهم تجاه جمهورية شمال قبرص التركية، وخلافا لما حدث  في قمة OTS السابقة في  أنقرة في شهر مارس، حيث عومل الزعيم القبرصي التركي إرسين تتار كرئيس دولة، لكن في أستانا في الأسبوع الماضي، لم يكن هناك وجود رسمي لجمهورية شمال قبرص التركية.

 

أما المسائل الجيوسياسية الأخرى فهي أكثر إثارة للانقسام، فعلى الرغم من كونهما حليفتين، إلا أن تركيا وأذربيجان لديهما مواقف متعارضة تماما بشأن الصراع بين إسرائيل وغزة، حيث يدعم شعب أذربيجان إسرائيل علانية ، وتزود باكو إسرائيل ب 60 في المائة من احتياجاتها النفطية في حين ينشر أردوغان خطابا معاديا لإسرائيل.

 

وتعد الممرات التجارية نقطة خلاف أخرى، حيث تشترك أذربيجان وكازاخستان وتركيا في الاهتمام بالإنجاز السريع  لمشروع الممر الأوسط ،  وهو طريق نقل يبدأ من جنوب شرق آسيا والصين ، ويمر عبر كازاخستان وبحر قزوين وأذربيجان وجورجيا وتركيا وإلى أوروبا. وفي الوقت نفسه، دعمت قيرغيزستان وأوزبكستان خطط روسيا لبناء ممر النقل الجنوبي، والذي من شأنه أن يتجاوز كازاخستان. إن القاسم المشترك بين معظم الدول الناطقة بالتركية السوفييتية السابقة، إن لم يكن كلها، هو الرغبة في مغادرة منطقة النفوذ الروسية.

 

وتتطلع كازاخستان إلى تطوير علاقات أوثق مع الدول التركية المجاورة والغرب، مما يمنح تركيا فرصة للمشاركة، ولدى قيرغيزستان دور في هذا المعترك، وعلى الرغم من كونها حليفة روسيا في منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO)، إلا أنها اشترت مؤخرا طائرات بدون طيار تركية الصنع  من طراز Akinci و Aksungur، والتي تستخدم لأمن الحدود.

 

وتمتلك قيرغيزستان بالفعل طائرات بدون طيار تركية الصنع من طراز بيرقدار؛ ويقال إنها استخدمتها ضد طاجيكستان خلال اشتباك حدودي عام 2022.

 

وبعيدا عن المعدات العسكرية، تستخدم تركيا أيضا التعاون الاقتصادي لإغراء التعامل مع جمهوريات آسيا الوسطى السوفيتية السابقة. على سبيل المثال، تهدف أنقرة إلى الوصول إلى  هدف تجاري ثنائي بقيمة 10 مليارات دولار مع كازاخستان، في حين وصلت استثمارات الشركات التركية في أوزبكستان بالفعل إلى 1.5 مليار دولار.

 

لكن المشكلة بالنسبة لأنقرة هي أن أعضاء OTS هم دول غير ساحلية تعتمد بشكل كبير على الجغرافيا الروسية، فعلى سبيل المثال، تعتمد تركمانستان وكازاخستان، باعتبارهما مصدرين رئيسيين للطاقة، على خطوط أنابيب النفط والغاز التي تعبر الأراضي الروسية للوصول إلى عملائهما في أوروبا، وما دامت روسيا دولة عبور مهمة لموارد الطاقة في العالم التركي، فإن محاولة تركيا لتحل محل روسيا في المنطقة ستكون مهمة صعبة.

 

والحقيقة هي أن أعضاء OTS من مرحلة ما بعد الاتحاد السوفيتي يحتاجون إلى روسيا بقدر ما يطمحون إلى زيادة العلاقات مع تركيا، ولا تزال كل منهم منخرط في رابطة الدول المستقلة التي تهيمن عليها روسيا، وتظل كازاخستان وقيرغيزستان جزءا من الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي تقوده موسكو، فضلا عن منظمة معاهدة الأمن الجماعي.

 

وتشير تلك التحالفات إلى أنه بالنسبة لمعظم دول OST التركية، فإن رؤية تركيا لنظام عالمي تركي بقيادة أنقرة هي نظرة من جانب واحد فقط، وقد يرى أردوغان الأمر بعبارات بسيطة على قطعة من الورق، ولكن بالنسبة لإخوة تركيا في الجمهوريات السوفيتية السابقة، فإن الفصل الأخير مع موسكو لم يكتب بعد.

 

نيكولا ميكوفيتش محلل سياسي في صربيا، ويركز عمله في الغالب على السياسات الخارجية لروسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا ، مع إيلاء اهتمام خاص لسياسات الطاقة وخطوط الأنابيب.

 X: @nikola_mikovic

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: