بينما يركز العالم على أحداث غزة تظهر الخلافات غير المعلنة في صفوف القادة الأوكران

مع تردد صوت الحرب في غزة في جميع أنحاء العالم، من الصعب سماع صوت أي شيء آخر. ولكن جاءت مقابلة مع القائد الأعلى للقوات المسلحة الأوكرانية في الأسبوع الماضي بصوت عال وواضح، مما أثار أزمة داخلية في كييف ونقاشا دوليا حول مستقبل الصراع.

 

والجنرال فاليري زالوزني هو الرجل الذي يقود الحرب الأوكرانية ضد الغزو الروسي، وكان من المستغرب، بل من الصادم أن يتحدث علنا عن أن القتال قد وصل إلى طريق مسدود، ولكن كان ذلك هو استنتاجه، حيث قال: “تماما كما في الحرب العالمية الأولى، وصلنا إلى مستوى من التكنولوجيا والذي وضعنا في طريق مسدود” كما أضاف: على الأرجح لن يكون هناك اختراق عميق وجميل”.

 

وكان اعترافا مفاجئا، والذي أثار على نحو غير مستغرب توبيخا فوريا من القيادة السياسية في أوكرانيا، حيث قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي:  «هذا ليس طريق مسدود»، ومن الواضح أنه كان قلق من التوصيف وتأثيره على الدعم الغربي.

 

وكان أيضا بيانا واضحا إلى حد ما حول الوضع الحالي، لقد كان من الواضح منذ أسابيع أن حرب أوكرانيا وصلت إلى طريق مسدود، ومع ذلك فقد أوضحت حرب غزة تلك الحقيقة بصورة أكبر.

وكان المقصود من الهجوم المضاد الأوكراني في الربيع أن يكون عاصفة عسكرية من شأنها أن تحول سير مجرى المعركة، وعانت القوات الأوكرانية منذ البداية من نقص المعدات وعندما بدأت أخيرا في الصيف، انهارت بدلا من توجيه صدمة للروس. وقبل بدء الهجوم المضاد في شهر يونيو، تمكنت أوكرانيا من استعادة الأراضي من الروس، خاصة حول خاركيف في الشرق وخيرسون في الجنوب.

 

ولكن منذ بدء العملية، كان التقدم بطيئا، حيث لم يكن هناك أي تغيير عمليا على مدى ما يقرب من 1000 كيلومتر من خط الجبهة شديد التحصين، فبالمقارنة بالأراضي الشاسعة التي احتلتها القوات الروسية تعد المناطق التي استعادتها أوكرانيا نقاط صغيرة على الخارطة. وقدرت صحيفة نيويورك تايمز في الشهر الماضي أن المساحة الإجمالية التي استعادتها كييف خلال هذا العام بأكمله من القتال أصغر من العاصمة كييف نفسها، ويعد ذلك لا شيء مقارنة بالمعاناة التي مرت بها البلاد.

 

وقد أدى الفشل في إحراز أي تقدم على الأرض إلى تثبيط عزيمة الأوكرانيين ومؤيديهم، حيث دفع الحلفاء ثمنا باهظا لدعم أوكرانيا خلال عامين دمويين وشتاء قارس، وقدمت كل من الولايات المتحدة والدول الأوروبية حوالي 80 مليار دولار لكل من المساعدات العسكرية والمالية، وقد أعطت خمس دول على الأقل، بما في ذلك الدنمارك والنرويج، ما يعادل 1 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي السنوي، فقط لتوفير الطعام لأوكرانيا ولمساعدتها على القتال.

 

وكانت تداعيات حرب أوكرانيا مذهلة في جميع أنحاء العالم،  حيث تسبب تعطيل سلاسل التوريد إلى ارتفاع الأسعار ونقص الغذاء والاضطرابات السياسية، وتم استرضاء الجنوب العالمي بحجة أن غزو أوكرانيا يمثل تغييرا جوهريا في قواعد النظام العالمي، وأن الشعور ببعض الألم ضروريا لتصحيح المسار.

 

ثم جاءت حرب غزة، ومع تصاعد الخسائر الفلسطينية ونضال القادة الغربيين حتى في نطق كلمة “وقف إطلاق النار”، أصبحت الاستثناءات من القواعد العالمية المقدمة من قبل الحلفاء الغربيين واضحة.

لكن حرب غزة لم توضح جمود خطوط الحرب في أوكرانيا لذلك السبب، لكن أدى التركيز المطلق من السياسيين الغربيين على زيلينسكي إلى حماية القيادة الأوكرانية من تلك الحملة، حيث كانت دبلوماسية زيلينسكي النشطة تعني أن هناك نشاط في  معظم الأسابيع سواء خطاب لحدث هنا أو هناك، حيث زار و زاره سياسيون غربيون، وضاع واقع الحرب في زوبعة من الكاميرات والمقاطع الصوتية.

 

والآن، مع استحواذ غزة على الاهتمام السياسي العالمي، فإن عدم تصدر أخبار حرب أوكرانيا للصفحات الأولى يجعل الواقع أكثر وضوحا بطريقة أو بأخرى، وعندما كانت السياسة في حالة تغير مستمر، كان من السهل تجاهل خطوط المعركة المجمدة، ولكن يصعب تجاهلها الآن، ولهذا السبب أصبحت الانقسامات داخل أوكرانيا أكثر وضوحا.

 

وهناك دلائل على أن الحلفاء الغربيين بدأوا في البحث عن مخرج،  حيث أشارت تقارير في وسائل الإعلام الأمريكية، استنادا إلى مصادر مجهولة، إلى أن موضوع مفاوضات السلام قد تم طرحه مع أوكرانيا على أعلى مستوى.

 

في الوقت الحالي، لا يزال الخطاب الرسمي هو أن الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، سيقف إلى جانب أوكرانيا طالما أن البلاد بحاجة إلى المساعدة، لكن في الواقع، لدى واشنطن أولويات خاصة بها، حيث تلوح في الأفق دورة انتخابية مثيرة للجدل ومنقسمة في العام المقبل، وسيكون تعامل الرئيس جو بايدن مع الصراع الأوكراني جزءا مهما من النقاش الانتخابي.

 

وهذا يجعل بايدن نفسه أحد أضعف الحلقات في السلسلة الدبلوماسية التي تؤدي إلى تسوية أوكرانية، لقد راهن بايدن بسمعته الشخصية في حربين مثيرتين للجدل، ولا يظهر في الأفق علامة على الانتهاء أي منهما.

 

وفي الوقت نفسه، سيكون فلاديمير بوتين سعيدا برؤية خصم بايدن المحتمل دونالد ترامب يعود إلى مقعد الرئاسة، مما يعني أنه لا توجد فرصة تقريبا للتفاوض مع روسيا كون الحملات الانتخابية الأمريكية تجري على قدم وساق، فمن الأفضل بكثير إبقاء الخطوط الأمامية مجمدة وترك بايدن يتحمل اللوم.

 

إذا لم يكن هناك سبب لموسكو لإنهاء الصراع، فيمكن تجميد خطوط المعركة للعام المقبل على الأقل.

 

لقد راهن زيلينسكي بحياته السياسية على كونه قائدا لا هوادة فيه في زمن الحرب، وعندما يصبح من الواضح أن الجيش الأوكراني غير قادر على تحقيق النصر، حتى بعد أن قال قائد الجيش ذلك، فلن يمر وقت طويل قبل أن يتطلع حلفاء أوكرانيا إلى وضع ثقتهم في ، ليس في زعيم من زعماء الحرب  ولكن في شخص قادر على تحقيق السلام ولو بأي ثمن.

 

يكتب فيصل اليافعي حاليا كتابا عن الشرق الأوسط وهو معلق دائم على شبكات الأخبار التلفزيونية الدولية، وقد عمل في منافذ إخبارية مثل الجارديان وبي بي سي، وقدم تقارير عن الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية وآسيا وأفريقيا.

 X: @FaisalAlYafai

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: