إعادة رسم ملامح العلاقات الأمريكية الخليجية في عالم حافل بالمتغيرات

,

في عالم حافل بالمتغيرات، وجدت الولايات المتحدة نفسها في مواجه مع الطموحات الصينية لبسط سطوتها وغزو روسيا لأوكرانيا، بينما يشق القادة في الخليج وخارجه مساراتهم الخاصة، مع تركيز واضح على الدبلوماسية الاقتصادية، وخفض التصعيد السياسي، والتحالفات الاستراتيجية المتنوعة.

 

وتؤكد الدعوة التي والأرجنتين إلىريكس في أواخر شهر أغسطس لضم ستة أعضاء جدد إلى الكتلة على التحديات التي تواجه الولايات المتحدة في التكيف مع تلك التغيرات، وخاصة في الشرق الأوسط، وعلى الرغم من أن بعض الدول لم تستجب بعد للدعوة رسميا، فمن المحتمل أن تنضم جميعها وهي الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وإيران ومصر وإثيوبيا والأرجنتين  إلى البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا كأعضاء في مجموعة البريكس في شهر يناير 2024.

 

إن معظم عمليات إعادة الموائمة في الشرق الأوسط والخليج قائمة على سعي المنطقة إلى تنويع السياسة الخارجية، ويعود ذلك النشاط إلى صعود الاقتصادات الآسيوية قبل عقدين من الزمان، وبشكل أكثر أهمية، إلى “محور آسيا” الأميركي أثناء إدارة أوباما.

 

وكان التصور الشائع أن الولايات المتحدة تنأى بنفسها أو تتردد بالوفاء بالتزاماتها كونها الركيزة الأمنية الرئيسية في المنطقة سببا في إشعال شرارة البحث عن أطر سياسية جديدة.

 

وفي الوقت الذي تشهد فيه منطقة الخليج نموا اقتصاديا سريعا، تنحرف السياسات الوطنية عن المصالح الأمريكية، حتى في الوقت الذي تحافظ فيه كلتا المنطقتين على تحالفات محسوبة بعناية في المسائل الأمنية، وفي حين أن الانسحاب المفاجئ والفوضوي من أفغانستان في عام 2020 لعب دورا حاسما في دفع دول الشرق الأوسط إلى النظر إلى ما وراء واشنطن، إلا أن ثلاث خطوات أخرى على الأقل بقيادة الولايات المتحدة هي ما شكل النظرة الجديدة للمنطقة.

 

أولا، كانت العديد من دول الخليج والشرق الأوسط مترددة في دعم الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في عام 2003، خشية أن يغذي ذلك التوسع الإقليمي لإيران نحو العراق في مرحلة ما بعد صدام. وتماشيا مع تلك المخاوف، سمحت السنوات التالية من عدم الاستقرار بصعود الميليشيات والأحزاب المدعومة من طهران في العراق والتي غالبا ما أصبحت معادية للخليج.

 

ثانيا، في حين نصح البعض في المنطقة بعدم دعم أمريكا للإطاحة بحسني مبارك في مصر، في عام 2011، إلا إن نصحهم لم يصل إلى مسامع واشنطن، ومنذ ذلك الحين، يصارع الشرق الأوسط تداعيات السياسة الإسلامية المتطرفة.

 

وأخيرا، على الرغم من المعارضة الإقليمية للاتفاق النووي مع إيران، وقعت الولايات المتحدة على خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2015. وكان لذلك الاتفاق ولإعادة صياغته التي لم تكتمل بعد أثر كبير في خلق تصورات مشوشة لنوايا الولايات المتحدة في المنطقة.

 

لقد قوضت تلك الأحداث من دعائم المصداقية الأمريكية، وعليه تولى اللاعبون الإقليميون زمام الأمور بأيديهم في اليمن، مما زاد من توتر علاقتهم مع واشنطن. وفي الآونة الأخيرة، شكلت هجمات الحوثيين بطائرات بدون طيار على المملكة العربية السعودية والإمارات  العربية المتحدة بين عامي 2019 و 2022 اختبارا إضافيا للشراكة الأمريكية في المنطقة.

 

ولم يتضح بعد إلى أي مدى سيؤثر القتال بين إسرائيل وحماس بشكل أكبر على موقف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، خاصة إذا كان هناك تصعيد من جانب الميليشيات الأخرى الوكيلة لإيران في المنطقة.

 

وبعد إنفاق 8 تريليونات دولار في  حربي العراق وأفغانستان والحرب على الإرهاب، أنفقت الولايات المتحدة إلى الآن حوالي 75 مليار دولار لمساعدة أوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي، مع وعود بدعم إضافي، إن قسما كبيرا من الشرق الأوسط، الذي سعى إلى البقاء على الحياد بشأن أوكرانيا، ينتظر وقته ويتطلع إلى تعظيم الفوائد التي يمكن تحقيقها من إعادة الاصطفاف العالمي للقوى المتوسطة.

 

وفي الوقت نفسه، كانت الصين تستفيد بهدوء من الفرص الاقتصادية في الشرق الأوسط، حيث بلغت تعاملات الصين مع دول مجلس التعاون الخليجي الست في عام 2021  233 مليار دولار بدعم من الشراكات في مجالات الطاقة والتجارة والتكنولوجيا والاستثمار ، بزيادة كبيرة عن 134 مليار دولار قبل عقد من الزمن. وبالمقارنة، قدرت التجارة الأمريكية مع دول مجلس التعاون الخليجي بنحو  60 مليار دولار في عام  2019، بانخفاض عن حوالي 100 مليار دولار من عام 2011.

 

إن حجم الطاقة والتجارة بين دول مجلس التعاون الخليجي ونظيراتها الآسيوية بما في ذلك الهند وكوريا الجنوبية واليابان ومجموعة جنوب شرق آسيا يفوق بشكل كبير تعاملاتها مع الولايات المتحدة، وقد أثرت هذه العلاقة بين كبار منتجي النفط ومستهلكيه في آسيا على السياسة الخارجية والاستراتيجيات الأمنية لدول مجلس التعاون الخليجي.

 

والتجارة ليست المؤشر الوحيد الذي تتغير فيه التحالفات، حيث يختلف المنظور الاستراتيجي للمنطقة عن منظور واشنطن. وفي حين أن العلاقات الدفاعية والأمنية مع الغرب لا تزال حاسمة، فإن المساعي التي بذلت في وقت سابق من هذا العام لإصلاح العلاقات مع الخصوم الإقليميين، مثل إيران، تشير إلى تحول في التركيز نحو إعطاء الأولوية للدبلوماسية الاقتصادية، ويشير هذا النهج المتطور إلى الاستقلال الاستراتيجي المعزز للمنطقة.

 

وتفتخر العديد من دول الشرق الأوسط الآن باقتصادات أقوى وقدرات عسكرية أكثر قوة مما كانت عليه في الماضي، في حين أن المنطقة بعيدة كل البعد عن تحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل، إلا أنها تنوع شراكاتها تدريجيا، وتفعل ذلك بشروطها الخاصة. وكلما اعترفت واشنطن بهذا التحرك نحو تقرير المصير الاستراتيجي، كلما كان ذلك أفضل مع تطلعات المنطقة وأولوياتها.

 

ويسعى الخليج العربي  إلى أن يكون مكانا لمد جسور التعاون لا  مكان للعراك و المواجهة، ويتضح ذلك في تفضيل القادة للحوار والدبلوماسية والتحالفات المتنوعة على التدخلات العسكرية والسياسات بالوكالة، ويؤكد عنصر عدم وجود تجانس في الاستراتيجيات داخل دول مجلس التعاون الخليجي على ضرورة قيام الولايات المتحدة بإعادة تشكيل نهجها، إن الطريق إلى تجديد الشراكة بين الولايات المتحدة والخليج والشرق الأوسط يتطلب فهما دقيقا لنظرة المنطقة إلى العالم.

 

ودول الشرق الأوسط، وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي ليست على قلب رجل واحد، وتعتمد الدول على استراتيجيات متنوعة ترتكز على تفسيرها الخاص للاستقلال الاستراتيجي. إن استيعاب تصور الشرق الأوسط للشؤون العالمية، وتوسيع مبادرات مثل “اتفاقيات إبراهيم”، وتأييد أطر التعاون المتخصصة مثل I2U2 (الهند وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة)، وتوسيع التحالفات من خلال دمج دول مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة واليابان، يمكن أن تكون خطوات أولية في تجديد علاقات المنطقة مع واشنطن.

 

بينما ترسم دول الخليج مسارات جديدة في المشهد الجيوسياسي المتغير، على صناع السياسة في الولايات المتحدة رسم مسارات جديدة أيضا لاستراتيجياتهم.

 

ملادينوف هو المدير العام لـ “أكاديمية أنور قرقاش” الدبلوماسية في أبو ظبي وزميل زائر متميز في زمالة “سيغال” في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وهو المنسق الخاص السابق للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط ووزير خارجية بلغاريا X: @nmladenov

 

نارايانابا جاناردهان : مدير الأبحاث والتحليل في أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية وزميل غير مقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: