أوكرانيا تخطط للنصر في معركة بالغة التعقيد

نيل هاور

Image courtesy of Sergei Supinsky / AFP

انقلب العالم بالنسبة لأوكرانيا رأسا على عقب في عاصمتها “كييف” قبل عام واحد.

كان ذلك حوالي الساعة 5 صباحا في 24 فبراير 2022، عندما سمعنا أول صواريخ كروز روسية تضرب ضواحي كييف، وفي حين أن تهديد الغزو الروسي كان يتزايد منذ أشهر، إلا أنه في 21 فبراير فقط أصبح المغزى من القوات الروسية المصطفة حول حدود أوكرانيا واضحا للعيان. وخطب فلاديمير بوتين خطبة طويلة لمدة ساعة حول أن أوكرانيا هي دولة مزيفة، وتم اشعال حرب واسعة النطاق، وبعد بضعة أيام، اجتاحت طوابير الدبابات الروسية الأراضي الأوكرانية.

وبعد مرور عام، لا تزال أوكرانيا واقفة على قدميها وهو ما لا يستطيع تخيله من سمع صوت الضربات الصاروخية الأولى، وردت القوات الأوكرانية الهجمات الروسية الأولية على العاصمة ومناطق أخرى في شمال أوكرانيا، قبل أن تلحق خسائر فادحة في تراجع قتالي بطيء ضد الهجوم الروسي في منطقة دونباس الشرقية، وكانت القوات الأوكرانية في وضع مكنها من تحقيق العديد من الانتصارات المذهلة في الخريف، حيث هزمت القوات الروسية في خاركيف واجبرتها على التخلي عن عاصمة المقاطعة الجنوبية خيرسون في شهر نوفمبر. وشهدت التعبئة العسكرية الجزئية لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية تجديد روسيا لصفوفها بما يكفي لتحقيق الاستقرار في خطوطها ومواصلة القتال في دونباس، مما أدى إلى الوضع الحالي.

وفي حين أن روسيا قد خسرت بالفعل في أوكرانيا، وذلك بعد أن فشلت في غزو كييف أو حتى كامل أراضي أي من المناطق الأوكرانية الأربع التي ضمتها رسميا، لكن يبقى الأمر متروكا لأوكرانيا لكسب الحرب بالكامل. وبقدر ما كانت نجاحاتها في العام الماضي مثيرة للإعجاب، فإن السنة الثانية من معركتها الدفاعية ستتطلب انتصارات أكبر وأكثر حسما إذا كان لأوكرانيا أن تحرر كامل أراضيها.

وكانت الأشهر القليلة الماضية من الحرب خالية من الأحداث الكبيرة على الرغم من استمرار القتال الشديد على الجبهة، وبعد خسارة خيرسون في شهر نوفمبر، انسحبت القوات الروسية إلى خطوط أكثر قابلية للدفاع خلف نهر دنيبرو، مما مكن مزيج من المجندين الجدد والقوات المحترفة المنقولة من خيرسون موسكو من وقف التقدم الأوكراني في شمال دونباس وحتى شن بعض الهجمات الجديدة.

وكان مركز القتال هو مدينة باخموت، حيث تقدمت القوات الروسية، بقيادة مجموعة فاغنر المرتزقة، ببطء لتطويق المدينة، وكانت الخسائر في الأرواح  والعتاد هائلة، ويمكن رؤية عشرات الجثث الروسية المتناثرة على الأرض خارج المدينة المدمرة كل يوم.

ولم يكن هناك الكثير مما يمكن انجازه للعمليات الأوكرانية منذ استعادة خيرسون، وفي غضون ذلك، حققت كييف انتصارا كبيرا في سعيها للحصول على أسلحة غربية حديثة، حيث تم الإعلان عن أن الدبابات القتالية، بما في ذلك الفهد الألماني، وتشالنجر البريطاني، وحتى أبرامز الأمريكية التي ستُمنح للقوات المسلحة الأوكرانية، وستكون تلك الدبابات نقطة حاسمة للتشكيلات المدرعة التي كانت أوكرانيا تجمعها بالفعل، وبما أن الدبابات ستبدأ في الوصول في وقت مبكر من شهر مارس، فإن تأثيرها سيأتي عاجلا وليس آجلا.

هذا يقودنا إلى احداث اليوم، والهجمة الأوكرانية التالية التي ينتظرها الجميع، فمع القضاء على الوجود الروسي في الضفة اليمنى من خيرسون، هناك جبهتان رئيسيتان متبقيتان لأوكرانيا للهجوم عليهما، وهما في شمال شرق وجنوب شرق البلاد. وفي حين أن الاندفاع إلى شمال إقليم لوهانسك، نحو مدينتي كريمينا وسفاتوف المحتلتين من قبل روسيا، يجب أن يحدث في مرحلة ما، فإن الخيار الثاني هو الأكثر جاذبية وهو : زابوريزهزهي  وهنا، تمتد الجبهة عبر ما يقرب من 150 كيلومترا من التضاريس المفتوحة على نطاق واسع، وإذا اخترقت القوات الأوكرانية الخطوط هنا، فسيكون لديهم 100 كيلومتر أخرى من الأراضي المسطحة التي تحتلها روسيا وتقع بينها وبين بحر آزوف.

إن الوصول إلى البحر في زابوريزهزهي سيشكل فوزا استراتيجيا هائلا، ومن شأن ذلك قطع خطوط الإمداد للقوات الروسية ليس فقط في ما تبقى من جنوب أوكرانيا الذي تسيطر عليه روسيا، ولكن أيضا في شبه جزيرة القرم. وستضطر القوات الروسية في الجهة الغربية إلى الاعتماد على عمليات التسليم البحرية غير المنتظمة لتجنب أي اختراق أوكراني. ومثل ذلك التقدم يمكن أن يساعد القوات الأوكرانية على الاقتراب من  ماريوبول وحتى تحررها، وهي خطوة سيكون لها قيمة رمزية هائلة بعد الدفاع الصعب ولكن غير المجدي في نهاية المطاف عن المدينة في الربيع الماضي.

ولهذه الأسباب بالتحديد لن تكون المعركة لتحقيق ذلك الهدف سهلة،  وتدرك روسيا ضعف تلك المسطحات من الأراضي مثل أي شخص آخر، وتقوم القوات الروسية بتحصين خط الجبهة منذ أشهر، وتطوير دفاع في العمق والذي سيصعب اختراقه. ومع ذلك، فمن المعقول تماما أن القوات المسلحة الروسية قد تمركزت بحيث لن تكون قادرة على مقاومة هجوم أوكراني منسق بغض النظر عن مستوى استعدادها. إن فقدان ما يقرب من 2000 دبابة روسية، بما في ذلك معظم الأنواع الأكثر حداثة، وآلاف المركبات المدرعة الأخرى سيجعل الرد على التشكيلات المدرعة الأوكرانية أكثر صعوبة من أي وقت مضى، وكذلك نقص الذخيرة الذي تعاني منه وحدات المدفعية الروسية. والمجندون الجدد جيدون بما يكفي للدفاع الثابت، لكن ليس من الصعب تخيل سيناريو يهزمون فيه بسهولة أكبر بكثير من القوات الروسية المحترفة التي قتلت أو خرجت من الخدمة بأعداد كبيرة.

لقد كانت معركة الدفاع عن أوكرانيا دموية وصعبة، وللأسف، لا يوجد وضع يصبح فيه القتال أقل فتكا بالنسبة لأوكرانيا أثناء سعيها لتحرير ما تبقى من أراضيها. ولكن بعد مرور عام على الحرب، من الممكن تصور خارطة طريق تتحرك من خلالها القوات المسلحة الأوكرانية نحو نهاية هذه الحرب، أو على الأقل عنصر مهم منها، لقد تم كسب المعركة لصد الفتوحات الروسية إلى حد كبير، ويبقى النضال من أجل تحرير بقية الأراضي الأوكرانية .

 

نيل هاور هو محلل أمني مقيم حاليا في كييف، أوكرانيا، وعادة ما يكون مقره في تبليسي ، جورجيا و، يركز عمله ، من بين أمور أخرى ، على السياسة والأقليات والعنف في القوقاز.