تركيا وسوريا: تبدآن خطوات المصالحة بكل تأنِ  

فيصل اليافعي

Image courtesy of Omar Haj Kadour / AFP

ما بدأ في الخريف كخطوات صغيرة ومترددة بين شركاء الرقص المترددين، انفجر بوتيرة عالية خلال الأسابيع القليلة الماضية، حيث بدأت تركيا وسوريا تحركات صريحة نحو شكل من أشكال التصالح.

وقد تناقلت الأنباء أن رؤساء المخابرات في كلا البلدين عقدوا اجتماعات متعددة قبل بضعة أشهر، بتشجيع من الجانب الروسي، وفي الأسابيع الأخيرة، ازدادت تلك الاجتماعات، مصحوبة بمشاركة فريق من الأطراف من المنطقة.

وزار مبعوث رئاسي روسي دمشق للقاء الرئيس السوري في الأسبوع الماضي، وفي اليوم التالي ظهر وزير الخارجية الإيراني في المدينة، وقبل ذلك بأسبوع، استقبل بشار الأسد وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة، وقبل أسبوعين من ذلك، اجتمع وزير دفاع تركيا وسوريا في موسكو. لقد جلب العام الجديد موجة من النشاط من جميع الأطراف التي لها مصلحة في الصراع المستمر منذ عقد من الزمان.

إن محاولة المصالحة حقيقية وفعلية وهي مدفوعة بالزخم الرئيسي للحرب الأوكرانية والزخم الأصغر لانتخابات الربيع الخاصة بالرئيس رجب طيب أردوغان، والقوى التي تحرك البلدين معا نحو المصالحة قوية للغاية لدرجة أنهما ستجدان بالتأكيد طريقة للوصول للهدف، وسيتجاهل كلا البلدين خلافاتهم الحقيقية، التي لاتزال قائمة، ومثل الزواج الاجباري الذي يتم فيه جلب العريس تحت تهديد السلاح، فإن المصالحة بين دمشق وأنقرة ستؤذي الكثير من الأطراف في المنطقة.

وتبدو الخلافات بين البلدين جلية للعيان، كما أشار وزير الخارجية السوري فيصل المقداد الأسبوع الماضي حيث قال: “لا يمكننا الحديث عن استئناف العلاقات الطبيعية مع تركيا دون إزالة الاحتلال”.

و”الاحتلال” هو ما تسمي دمشق مناطق وأجزاء من شمال سوريا والتي يحرسها جنود أتراك، وتلك المناطق الحدودية مهمة لتركيا، فهي تضم غالبية قوات المعارضة السورية،  وتأمل أنقرة أن تكون حلا جزئيا للتوتر المتصاعد في تركيا التي تأوي ملايين اللاجئين السوريين، وتتمثل خطة أردوغان في إعادة اللاجئين إلى مناطق من الأراضي السورية، لكن تحت حراسة تركيا. إن إيجاد طريقة مبتكرة للحفاظ على بعض تلك المناطق سيكون ضروريا لعروض أردوغان الانتخابية للجمهور التركي.

وسيكون بعض ذلك على الأقل مطروحا على الطاولة في أي مفاوضات مستقبلية مع دمشق بشأن تطبيع العلاقات، وهذا معروف منذ سنوات، لكن الأمر المختلف هذه المرة هو الفرصة السياسية التي تتيحها الحرب الأوكرانية.

ومع تعب روسيا بسبب الصراع الدائر في أكرانيا، فإنها تحتاج إلى إعادة توجيه بعض قواتها بعيدا عن سوريا، وعليه ترى إيران فرصة لملء الفراغ الذي أخلته تلك القوات.

ولعبت روسيا لسنوات دورا غير عادي في التوازن بين إيران وإسرائيل بسبب تفوقها الجوي، ففي بعض الأحيان تحمي سوريا من الهجمات الإسرائيلية، وفي بعض الأحيان تسمح لإيران بالتحرك ضد إسرائيل. وإذا تم تقليل التواجد الروسي ، فيمكن أن يكون للجمهورية الإسلامية مساحة أكبر للعمل، ولهذا السبب، رحب حسين أمير أباد اللهيان، وزير الخارجية الإيراني، علنا في بيروت الأسبوع الماضي بإمكانية المصالحة.

وبالنسبة لتركيا، فإن السلام، أو بعض مظاهره مع دمشق قد يحمل معه تبعات خطيرة. والمعارضة السورية التي تعيش الآن بشكل أساسي تحت الحماية التركية يمكن أن تختفي في تركيا وقد تسعى للانتقام من تلك الخيانة، ومع ذلك، فإن الثمن السياسي الذي تدفعه تركيا لملايين اللاجئين السوريين الذين يعيشون داخل حدودها باهظ الكلفة، وعلاوة على ذلك، فإذا كانت روسيا ملتزمة بالمغادرة، فإن تركيا تفضل انسحابا لا يترك للعملاء الإيرانيين مطلق الحرية.

ويجب إجراء تلك الحسابات المعقدة على جناح السرعة، فبعد سنوات كانت فيها وتيرة الاتصالات السياسية بطيئة للغاية. وهذا إذن ما يقف وراء التقارب السريع: فضعف روسيا بسبب أوكرانيا خلق فرصة سياسية مغرية للغاية، والوضع الراهن مناسبا لدمشق وأنقرة – حيث يمكن لدمشق أن تشكو من “احتلال” تركي، لكنها لا تحتاج إلى فعل أي شيء تجاهه، ويمكن أن تستمر في تقليص سيطرتها على المدن الشرقية المأهولة بالسكان التي تهتم بها حقا، ويمكن لأنقرة أيضا استخدام سنوات الهدوء لبناء بنيتها التحتية على طول الحدود ودفع السكان الأكراد بعيدا عنها، فالسكون الطويل يناسب كلا الجانبين.

لكن حرب روسيا في أوكرانيا أثارت ذلك السكون وتسارع جميع الأطراف إلى الظفر بأي شيء، والنتيجة النهائية تكاد تكون متوقعة – المزيد من المساحات في سوريا مرة أخرى تحت سيطرة النظام، والمزيد من السوريين الذين سيتم ترحيلهم من تركيا، ومساحة أكبر للقوات الإيرانية للعمل داخل الأراضي السورية، والمزيد من الأكراد الذين تم طردهم من الحدود، وإذا تم الاتفاق على شكل من أشكال التعاون، فإن المصافحة الرئيسية ستغطي على التوترات الأساسية.

لكن هذه التوترات ستبقى قائمة، فلا يمكن لأي قدر من التقارب أن يغير المشكلة الأساسية لنظام الأسد، وهي افتقاره إلى الشرعية. ولا يمكن لأي اتفاق أن يبقي ملايين السوريين خارج حدودها بشكل دائم، أو أن يجبرهم على العودة إلى مستقبل غامض.

سيتم تغطية تلك الخلافات الكبيرة بين الجانبين وهم مندفعين نحو التصالح، أو تأجيل الحديث عنها للغد، لكن على أولئك الذين يسعون إلى إنهاء الخلاف بين سوريا وتركيا أن ينتبهوا إلى الأسباب التي أشعلت تلك الخلافات: فكلما سعت الدولة السورية إلى إخفاء المشاكل بين صفوف المجتمع، كلما خلقت الظروف المناسبة للانفجار.

 

يقوم فيصل اليافعي حاليا بتأليف كتاب عن الشرق الأوسط وهو معلق دائم على شبكات الأخبار التلفزيونية الدولية، وقد عمل في قنوات إخبارية مثل الجارديان وبي بي سي، وقدم تقارير عن الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية وآسيا وأفريقيا.

تويتر: @FaisalAlYafai