
في الوقت الذي تكافح فيه روسيا لتحقيق نجاح عسكري وسياسي في أوكرانيا، حوَّل قادتها انتباههم إلى هدف إقليمي آخر؛ ألا وهو استئناف العمل في “مقبرة الإمبراطوريات”.
قبل ستة أشهر، وقَّعت موسكو صفقة مع طالبان لتزويد أفغانستان بالبنزين والنفط والقمح. تصل بعض هذه السلع الآن عن طريق البر والسكك الحديدية من آسيا الوسطى، ما يوفر للأفغان الإمدادات التي هم في أمس الحاجة إليها ويُقدِّم لروسيا العملاء الذين تشتد حاجتها إليهم.
أنشأت كذلك حكومة طالبان اتحادًا للشركات يضم بعض الشركات في روسيا لتعزيز الاستثمارات في الطاقة والتعدين والبنية التحتية. ويخطط هذا الاتحاد لتخصيص ما يصل إلى مليار دولار لمشروعات البنية التحتية والطاقة، ومن المتوقع أن تكون روسيا مستثمرًا ومقاولًا رئيسيًّا في هذه الجهود.
من وجهة نظر الكرملين، تشمل الأهداف الاقتصادية الرئيسية في أفغانستان بناء محطات طاقة تعمل بالفحم ومنشأة لتحويل الفحم إلى منتجات نفطية. فتنتج أفغانستان حاليًا 30 بالمائة فقط من الكهرباء التي تستهلكها وما تزال تعتمد اعتمادًا كبيرًا على واردات الطاقة.
وقد أوضحت كابول أنها تريد مليون برميل نفط من روسيا، وتفضل أن تُقدِّم في مقابلها المعادن والزبيب والأعشاب الطبية. وصرح وزير التجارة والصناعة الذي عينته طالبان، حاجي نور الدين عزيزي، بأنه إذا لم يكن ذلك مناسبًا لروسيا، فبإمكان كابول أيضًا دفع المال في المقابل.
ما من شك في أن التعاون الاقتصادي الوثيق مع روسيا من شأنه مساعدة حكومة طالبان على تقليل العزلة الدولية التي قطعت صلة الدولة بالنظام المصرفي العالمي. وسيساعد ذلك روسيا أيضًا إلى حدٍّ ما، لا سيما في الوقت الراهن الذي تعيش فيه تحت وطأة العقوبات الغربية.
بيد أن المشكلة تكمن في أن طالبان ليست مستعدة لإدارة الاستثمار الأجنبي. فعلى الرغم من أن أفغانستان إحدى أكثر دول العالم ثراءً بالموارد، فإن عدم القدرة على التنبؤ بالوضع السياسي وعدم موثوقية الظروف الاقتصادية يعوقان الجهات الأجنبية الرئيسية، بما في ذلك روسيا، من تدشين مشروعات تجارية كبرى في أفغانستان.
وقد اجتمع الشهر الماضي كبار المسؤولين الأمنيين من روسيا والهند وإيران والصين وآسيا الوسطى في موسكو لمناقشة ما يمكن فعله لتحسين الوضع في أفغانستان. وفي دلالة واضحة على ما ذكرناه، لم تكن طالبان مدعوة للاجتماع.
كانت روسيا قد صنَّفت طالبان على أنها منظمة إرهابية في عام 2003. ورغم عقد الكرملين اجتماعات عديدة مع المجموعة الأفغانية في السنوات اللاحقة، فإن أول اتصال رسمي بين وزارة الخارجية الروسية وطالبان فيما بعد 11 سبتمبر كان في عام 2015. وفي الآونة الأخيرة، زار المبعوث الروسي الخاص إلى أفغانستان، زامير كابولوف، كابول في يناير لمناقشة احتمال اعتراف المجتمع الدولي، ومن بينه روسيا، بحركة طالبان.
لكن هذا لا يعني أن الكرملين سيستبعد طالبان من قائمة المنظمات الإرهابية في القريب. وقد أكد أمين مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف في القمة الأخيرة في موسكو، أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي في أفغانستان “يتدهور بسرعة“، وهي الفوضى التي ألقى باللوم فيها على “سلطات كابول الحالية”.
وعرض السفير الروسي لدى طاجيكستان، سيميون غريغوريف، وجهة نظر مماثلة في يناير، مشيرًا إلى أن “جميع الوعود التي قطعتها طالبان عند تسلّمها مقاليد الحكم لم يتم الوفاء بها بالفعل”. وهو يرى أيضًا أن أفغانستان مليئة بالإرهابيين وتقودها حكومة تتسبب في الخلاف والشقاق وتدعم تجارة المخدرات العالمية. وأضاف غريغوريف أن “محنة الشعب الأفغاني تُكمِل هذه الصورة المحزنة”.
ويمكن أن ترى طاجيكستان — وهي أصغر دولة مجاورة لأفغانستان وأفقر دولة في آسيا الوسطى — في تصريح غريغوريف ما يبعث على الطمأنينة بأن روسيا لن تسمح باستخدام أفغانستان لزعزعة استقرار الجمهورية السوفيتية السابقة التي يملك فيها الاتحاد الروسي قاعدة عسكرية كبيرة. فتستضيف طاجيكستان أيضًا العديد من القادة الأفغان المعارضين لحكم طالبان، بما في ذلك زعيم جبهة المقاومة الوطنية في أفغانستان أحمد مسعود، ما يجعلها هدفًا واضحًا لأفغانستان.
وإدراكًا لهذا الضعف، دعا رئيس طاجيكستان إمام علي رحمن إلى بناء “حزام أمني” حول أفغانستان لحماية الدول المجاورة. وعلى الرغم من كون طاجيكستان حليفةً لموسكو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، فإنها تمثل هدفًا سهلًا نسبيًّا ليس فقط لطالبان، وإنما أيضًا للجماعات المتطرفة الأخرى الموجودة في أفغانستان.
ولكن نظرًا لمدى سوء إدارة روسيا لحربها في أوكرانيا، فليس من الواضح ما إذا كان بإمكان موسكو الوفاء بالتزاماتها الأمنية إذا طُلَب منها فعل ذلك. ومن المشكوك فيه أيضًا أن تتمكن منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تهيمن عليها روسيا من حماية طاجيكستان في حالة وقوع هجوم عليها عبر الحدود.
في الوقت الراهن، ستواصل روسيا الموازنة بين تحالفها العسكري والسياسي مع طاجيكستان من جانب وتخطيطها لتعزيز وضعها الاقتصادي في أفغانستان من جانب آخر. لكنها ستفعل ذلك ببطء، وهي تدرك آسفةً أن تدخل روسيا في أفغانستان لم يتم دائمًا كما هو مخطط له.
رغم ذلك، وعلى عكس معظم الدول الغربية، لم تغلق روسيا سفارتها في العاصمة الأفغانية بعد الانسحاب الأمريكي من هناك في أغسطس 2021. وهذا يعطي موسكو أفضلية في الجهود المبذولة لتحويل طالبان إلى شريك تجاري موثوق به.
نيكولا ميكوفيتش محلل سياسي في صربيا، يركز عمله في الغالب على السياسات الخارجية لروسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا، مع اهتمام خاص بسياسات خطوط الأنابيب والطاقة.