الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي يثبت إمكانية حل المشكلات الصعبة – تمامًا مثل المعضلة الإيرانية

جوناثان جرونال

AFP Photo: Atta Kenare

إذا ما تم تصوير فيلم يجسد عملية القبض على 10 أشخاص من الخلية الإرهابية المزعومة التي تم الكشف عنها في الثالث والعشرين من سبتمبر والتي قامت إيران بتدريبها على الأراضي السعودية؛ لن يستطيع أي مُخرِج أن يتفادى التناقُض بين مشاهد تلك الهجمات وبين الخطاب الذي تصادف أن ألقاه الملك سلمان في نفس اليوم أمام الجمعية العامة خلال الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس الأمم المتحدة.

ولم تظهر أنباء تلك الاعتقالات حتى الثامن والعشرين من سبتمبر الماضي، لكن مع توارد أنباء العثور على أسلحة ومتفجرات في موقعين بالمملكة العربية السعودية، كان الملك يناشد المجتمع الدولي من أجل إيجاد “حل شامل” للتهديد الذي تمثله إيران للسلم والأمن على مستوى المنطقة”، وقد قام الملك بتذكير الجمعية العامة للأمم المتحدة بسلسلة الجرائم التي ارتكبتها إيران ووكلائها – متمردي الحوثي، حيث باتت طهران مسؤولة عن الأزمات السياسية والاقتصادية والإنسانية التي يعاني منها الشعب اليمني الشقيق “وحزب الله” الذي أدّت سيطرته على صناعة القرار في لبنان بقوة السلاح “والمتهم بصورة أساسية في كارثة انفجار مرفأ بيروت، وخلال العام الماضي عمد الملك إلى تذكير الوفود باستهداف إيران للمنشآت النفطية السعودية “مما كان بمثابة خرق واضح للقوانين الدولية”.

وقد عمل المجتمع الدولي لسنوات من أجل إقناع أو تملُق إيران كي تصبح عضوًا بناءًا في المجتمع الدولي، لكن الاعتقالات التي تمت في المملكة العربية السعودية الشهر الماضي كانت بمثابة تذكير مُحبط بأن طهران مصممة على المضيّ في حملتها الخاصة بالتمرد العنيف الذي أفسد المنطقة على مدار عشرات السنين.

وكما يقول الملك سلمان فإن المملكة من جانبها قد “مدّت يدها بالسلام لإيران مما يدل على سلوكها الإيجابي والمنفتح على مدار عشرات السنين” في محاولة منها “للسعي لإيجاد طرق لبناء علاقات مبنية على الاحترام وحُسن الجوار”، لكن الملك يضيف أن جميع تلك المحاولات “كانت بلا طائل”، ومن ثم ماذا يمكن أن يكون بمثابة “الحل الشامل” الذي دعا إليه الملك؟، وماذا يمكن فعله بشكل دقيق لإنهاء حالة العُزلة التي تعانيها إيران على مستوى العالم منذ أربعة عقود؟.

وبالنسبة للصقور (المتشددين) في الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول العربية، فإن الحل واضح كما أنه كارثي: الحرب، ومجمل الصراع مع إيران هو سيناريو يتعرض للعبث عبر اليمين المتطرف في مراكز الفكر الغربية، كما أن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) تتلاعب بتلك المسألة منذ سنوات، وإدارة الرئيس ترمب أيضًا عمدت إلى إذكاء التوتر عبر الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني الذي وافق عليه المجتمع الدولي، كما عمدت تلك الإدارة إلى تغليظ العقوبات المفروضة على طهران.

ودائمًا ما كانت الحرب مع طهران على وشك الاندلاع، وفي مايو من العام الماضي وعقب تصاعُد التوتر بسبب الهجوم على ناقلات النفط في خليج عُمان صدرت الأوامر للسفن الحربية الأمريكية بالتوجه إلى الخليج، وتم تسريب خطط مفصلة خاصة بنشر قوات أمريكية في المنطقة في عملية شبيهة بغزو العراق في العام 2003.

وتصاعد التوتر بالمنطقة، وفي يونيو من العام الماضي باتت الولايات المتحدة قريبة من شن ضربات جوية ضد أهداف إيرانية عقب قيام إيران بإسقاط طائرة أمريكية مًسيرة جنوبي مضيق هرمز – وكانت الطائرات الأمريكية في الجو حين أصدر ترمب أوامره بوقف الضربة الانتقامية في اللحظة الأخيرة، وعلى أي حال فإن اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني في يناير كان بمثابة تذكير بأن أعمال العنف تبقى جزء من اللعبة الأمريكية.

وعقب تلك الحادثة وتحديدًا في شهر أغسطس كشفت الإمارات العربية المتحدة وتبعتها البحرين عن قرار تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

والواقع أن البحث عن حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني لم يكن الدافع الأوحد وراء تلك الخطوة التاريخية، وقال أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، إن خطر العدوان الإيراني هو ما دفع بالإمارات إلى إعادة تقييم العلاقات مع إسرائيل “بنظرة جديدة”.

وقد أثار هذا الإعلان سؤالًا هامًا يحتاج إلى إجابة: هل تلحق السعودية بقطار التطبيع وهي أكبر دولة والأقوى عسكريًا على مستوى الخليج؟، الواقع أن خطاب الملك سلمان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لم يحمل إجابة لهذا التساؤل، لكن إذا ما قررت السعودية الانضمام لمجموعة الدول التي قامت بالتطبيع مع إسرائيل، فالواقع يقول إن تحالف الدول الذي يتصدى للهيمنة الإيرانية سيكون أقوى وأضخم.

وبالطبع فإن تلك المسألة ستؤدي في النهاية إلى المزيد من القوة، لكن على الرغم من الاستفزازات الإيرانية تجاه الحلف الجديد في المنطقة؛ فإن الأمر لا يجب أن يتطور إلى عدوان عسكري سواء بمشاركة السعودية أو بدونها حتى مع احتمالية الحصول على الدعم الأمريكي في هذا الإطار.

والقليل على مستوى المنطقة هم من يحتاجون للتذكير بالانهيار الذي حدث منذ غزو العراق في عام 2003 وتبعات هذا الأمر التي أصابت المنطقة حتى يومنا هذا، وبينما إيران التي يبلغ تعداد سكانها 83 مليون نسمة غارقة في التدريبات العسكرية؛ حيث يوجد بها نصف مليون شخص مستعدون لحمل السلاح، وقد باتت معنويًا تحت الحصار ولديها صواريخ قادرة على الوصول إلى جميع عواصم المنطقة – وليست العراق التي تملك تلك القدرات، وفي حالة اندلاع حرب شاملة، فلن تستسلم إيران قبل أن تُلحِق الضرر بجيرانها على أوسع نطاق، ومن الممكن أن يصل عدد الضحايا إلى عدة ملايين على جانبي الخليج وما وراء تلك المنطقة، وستتعرّض الاقتصادات للانهيار كما أن مسألة تغيير النظام ستكون طويلة ودموية وباهظة التكاليف.

وبالطبع لا يمكن السماح لإيران بتدمير الحياة على مستوى المنطقة، لكن الاتحاد الجدير بالملاحظة بين الإمارات وإسرائيل يبرهن على أن المشكلات التي تبدو مستعصية الحل في تلك المنطقة، التي تعُد من أكثر المناطق التي تعاني من الانقسام على مستوى العالم، يمكن حلها دون اللجوء للقوة المسلحة.

وبالطبع فإن إسرائيل والدول العربية سيكونون أكثر قوة إذا ما حدث اتحاد بينهم، ومن أجل صالح المنطقة – بما فيها الملايين من أبناء الشعب الإيراني الذين يتطلعون لحياة أفضل في المستقبل – يجب أن يحدونا الأمل في أن تتجلّى تلك القوة في الحكمة والرغبة في التقارب وألا تتجلّى في الحرب.

 

جوناثان جورنال هو صحفي بريطاني،، كان يعمل سابقًا بِمجلة “التايم”، وقد أقام وعمل بمنطقة الشرق الأوسط، وهو الآن مقيم في المملكة المتحدة.