هل تعوق دولة جنوب أفريقيا التنمية في أفريقيا؟

جوزيف دانا

AFP Photo: Guillem Sartorio

مباشرة قبيل انعقاد النسخة الأفريقية، من المنتدى الاقتصادي العالمي في مدينة كيب تاون الشهر الماضي، تعرّضت جنوب أفريقيا لموجة هائلة من العنف، على يد الأجانب المقيمين فيها، شملت المراكز المدنية الكبرى والبلدات الريفية الأصغر، وقام مواطني جنوب أفريقيا بالهجوم على المشروعات التي يمتلكها الأجانب، وإشعال النار في السيارات ونهب المتاجر، ولم تكن تلك الهجمات جديدة، كما أنها لم تمثل مفاجأة، وعلى مدار السنوات العشر الماضية فقط، تعرّضت مدن جنوب أفريقيا لموجة تلو الأخرى من أعمال الشغب، التي استهدفت المهاجرين الأفارقة، وفي بعض الحالات، كان هناك مسؤولون فسدة، يقومون بتأجيج تلك الأحداث، رغبة منهم في صرف الانتباه عن فشلهم السياسي، لكن الموجة الأخيرة من العنف تعُد مختلفة، كما أنها تأتي في وقت سيء يمر به الرئيس الجديد للبلاد.

وكقوة إقليمية، فقد شعر المهاجرين الذين يعيشون في جنوب أفريقيا بالغضب، والذين أتوا من دول أفريقية أخرىوهذا الشعور بالغضب وصل رأسًا إلى قلب الحكومة مُهدِدًا بتعطيل البرامج الاقتصادية والتنموية على مستوى القارة، في وقت تحتاج فيه جنوب أفريقيا للشراكة الأجنبية أكثر من أي وقت مضى، وانتشرت حالة من عدم الرضا، بسبب السياسات الصارمة التي تتبناها حكومة جنوب أفريقيا بشأن الهجرة، والتهديد بالعنف ضد الأجانب.

وعلى مدار أكثر من عام، حاول الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا، معالجة الاضطرابات التي تركها سلفه جاكوب زوما، وتم سلب كيان الدولة بسبب الفساد المزمن وتصاعُد نسبة البطالة، وبات اقتصاد جنوب أفريقيا على حافة الانهيار، وصارت الشركة الوطنية للكهرباء (إسكوم) تحافظ على مسألة الإنارة بالكاد، وباتت مؤسسة موديز للتصنيف الائتماني على شفا تخفيض تصنيف جنوب أفريقيا، وهذا من الممكن له أن يمنع تدفق رأس المال، كما أنه سيفاقم من الموقف الحساس الذي يمر به رامافوزا، وباتت الحكومة تبحث يائسة عن استثمارات أجنبية جديدة، وأصبح المنتدى الاقتصادي العالمي فرصة كي تثبت جنوب أفريقيا للعالم وباقي دول القارة، أنها دولة مفتوحة لإقامة المشروعات، وبدلًا من ذلك، صُدِم الحاضرون من الحقيقة المؤلمة، التي تتمثل في عنصرية جنوب أفريقيا، تجاه مواطني الدول الأفريقية الأخرى.

وعلى الرغم من حقيقة اعتماد جنوب أفريقيا بشدة، على دعم الدول الأفريقية الأخرى في مواجهة التمييز العنصري، إلا أن صدى النظرية الشعبوية التي تهاجمالآخربات متأصلًا في جنوب أفريقيا، وتلك الرغبة الوحشية في الإضرار بالضعفاء منا، والتي تشير إلى أن انتشار الأفكار الشعبوية، لها تاريخ طويل في جنوب أفريقيا، وقد انتقلت تلك الرغبه من الولايات المتحدة إلى شرق آسيا،.

وخلال حقبة التمييز العنصري، كانت سياسة الهجرة التي تتبناها جنوب أفريقيا، تقوم بشكل استثنائي على التعامل بوحشية مع الأفارقة الآخرين، ومنذ العام 1994، خفّت حدة تلك السياسة بشكل جزئي. وقد عبّر الغاني أستاذ التاريخ بجامعةويت واتر ساندأشيل مبيمبي، عن تلك الفكرة بوضوح، خلال وصفه لعمدة جوهانسبرج، وكتب مبيمبي في صحف ساوث أفريكان وميل وجارديان واصفًا عمدة جوهانسبرج :”حينما يتحدث عن أفريقيا، كأنه يتحدث عن كيان غريب، حِمل ثقيل، وأفريقيا بالنسبة له لا تمثل فكرة أو مشروعًا، وإنما تمثل تهديد خطير، ولو تم إغلاق الحدود، ستخسر جنوب أفريقيا 26% من إجمالي قيمة صادراتها، وهو ما يعادل نحو 25 مليار دولار“.

وتلك النزعة الشعبوية العنصرية، تأتي على العكس تمامًا من خطة رامافوزا، التي ترمي إلى فتح الاقتصاد الجنوب أفريقي أمام المزيد من التبادل التجاري مع باقي دول القارة، وليس أقل من ذلك، كما أن تلك الأعمال تتعارض مع أسس برنامج أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، الذي يعُد دليلًا للمشروعات التنموية اللامتناهية على مستوى قارة أفريقيا. والواقع أن الأهداف المحددة، التي تتلخص في العمل الجيد والتنمية الاقتصادية، بالإضافة إلى السلام والعدالة وتشكيل مؤسسات قوية، باتت تحت تهديد شديد، في أكبر دولة صناعية على مستوى قارة أفريقيا، تسعى للاستعداد جيدًا من أجل تحقيق تلك الأهداف.

ودون وجود جنوب أفريقيا كقائد إقليمي، ستصبح المنطقة بلا هدف، وهذا يجعل من الصعوبة بمكان ابتكار وتنفيذ البرامج التنموية الكبرى. وكما أدّت الشعبوية في الدول الغربية إلى نبذ التعددية، فإن الأمر بالمِثل في قارة أفريقيا.

وهناك طريقة واحدة لتحويل الدول مثل جنوب أفريقيا عن هذا المسار الخطير، وهي تأسيس منطقة للتجارة الحرة ورفع قيود السفر على مستوى القارة، وإحدى تلك الكيانات هي اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية (AFCFTA)، التي يتبناها رامافوزا بشكل تام.

ولو تم تفعيل اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية، في الأول من يوليو 2020 كما هو مُخطّط، فستكون بمثابة أكبر منطقة للتجارة الحرة على مستوى العالم، وذلك بالتزامن مع خطط السماح بتأشيرات حرة بين الدول أعضاء الاتحاد الأفريقي، وسوف يشجع هذا على حرية حركة التجارة والأفراد على مستوى القارة، ومُعظم الدول المشاركة لم تصادق بعد على شروط دقيقة تخص التعريفة الجمركية المحددة، لكن بالنسبة لرامافوزا، فإن اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية، تعُد بمثابة هدية لاقتصاد جنوب أفريقيا، الذي يعاني في الأساس، وعلى أي حال، فإن مسألة تعاطي المواطن الجنوب أفريقي مع حرية التجارة والسفر لها شأن آخر.

وإعادة التفكير حول مسألة الحدود، التي فرضتها القوى الاستعمارية بشكل عشوائي، تعُد عنصرًا قويًا فيما يتعلق بإنهاء الاستعمار، كما أنها تعُد بمثابة مسألة حيوية، إذا ما تم الوصول لقرار بخصوص حرية التجارة والحركة على مستوى القارة.

والواقع أن وسائل الاتصال العالمية الضخمة، التي أتت عبر انتشار الإنترنت والهواتف الذكية، ستكون عاملًا إضافيًا يجعل مسألة الحدود الأفريقية المفتوحة في المستقبل، أمرًا قابل للتحقيق، وتذليل العقبات غير الضرورية، من المؤكد أنه سيجعل التنمية الاقتصادية أكثر سهولة. وبصفتها قوة إقليمية، فإن أية جهود ملموسة لإعادة التفكير حول مسألة الحدود، ترمي إلى إزالة آثار الماضي الاستعماري، وتدعيم أجيال المستقبل، لن تتم دون مساندة جنوب أفريقيا، لكن تاريخ جنوب أفريقيا العنصري، فيما يخص التعامل مع الأفارقة الآخرين، يجعل من هذا النقاش غير ذي فائدة.

وكما دعا رامافوزا بشدة خلال الأشهُر الأخيرة، فإن توطيد التكامل الاقتصادي والاجتماعي على مستوى أفريقيا، سوف يعود بالنفع على جميع الأفارقة. وإلى أن يقوم حزب المؤتمر الوطني الأفريقي ANC بتحقيق وعوده، الخاصة بمكافحة الفساد وانتشال مواطني جنوب أفريقيا من الفقر، فإن مصير البلاد لن يختلف عن باقي دول القارة.

يعيش جوزيف دانا بين جنوب إفريقيا والشرق الأوسط، وهو يشغل منصب رئيس التحرير بمؤسسة Emerge85، التي تعُد بمثابة مختبر لاكتشاف التغيرات في الأسواق الناشئة وتأثير ذلك على المستوى الدولي.