
هيمنت السيارات الكهربائية أخيرا على قطاع السيارات، فبعد عقود من انتظار ثورة السيارات الكهربائية، ها نحن نرى المزيد والمزيد من الناس في جميع أنحاء العالم يقودونها، وتجاوزت مبيعات السيارات الكهربائية نقطة حاسمة في عام 2022 بنسبة 10 في المئة من حصة سوق السيارات العالمية، والفضل في ذلك يعود إلى النمو القوي في الصين وأوروبا. ونظرا لأن المزيد من الحكومات، الكبيرة والصغيرة، تتطلع إلى تعزيز استخدام السيارات الكهربائية لمواجهة التغيرات المناخية، فمن المتوقع أن يستمر قطاع السيارات الكهربائية في الحصول على حصة من السوق على المدى المنظور، حتى أن ولاية كاليفورنيا الأمريكية فرضت قوانين تنص على أن السيارات الجديدة المباعة بحلول عام 2035 ستكون كهربائية أو هجينة، وسبب ثورة استخدام السيارات الكهربائية هي اقتصاديات بسيطة ، ولكن تلك الاقتصاديات البسيطة قد تتسبب في نهاية قطاع السيارات الكهربائية.
وبدأت شركة تسلا، وهي إحدى شركات السيارات الكهربائية الأكثر شهرة في العالم، عام 2023 بعرض تخفيضات كبيرة في أسعار سياراتها الأكثر شعبية، حيث خفضت الشركة أسعار عروضها الرئيسية بما يصل إلى الخُمس في جميع أنحاء الولايات المتحدة وأوروبا استجابة لقلة الطلب في السوق الناجم عن التباطؤ الاقتصادي العالمي والمزيد من المنافسة من قبل العلامات التجارية الأخرى، وخاصة في الصين. وكانت تخفيضات الأسعار أيضا استجابة لانخفاض تكاليف سلسلة التوريد في فترة الجائحة. وتمثل الصين، وهي واحدة من أسرع الأسواق نموا في العالم للسيارات الكهربائية، ما يقرب من ثلثي المبيعات العالمية، وعليه، كان هناك ازدهار في تصنيع السيارات الكهربائية الصينية المحلية ومن الممكن قريبا تصل تلك السيارات الصينية إلى الاسواق الأوروبية والأمريكية.
ويسلط ظهور الصين كسوق رئيسي للسيارات الكهربائية الضوء على التكاليف الخفية لثورة السيارات الكهربائية، ففي حين أن المستهلكين كانوا قلقين منذ فترة طويلة من تكلفة وجدوى امتلاك سيارة كهربائية، فقد تم إخفاء الضريبة الفعلية التي يدفعها كوكب الأرض عن الجمهور، ويتمثل أحد التحديات الواضحة في زيادة ديون الكربون الناتجة عن استخدام السيارات الكهربائية في المناخات الباردة والغائمة. والحقيقة التي لا مفر منها هي أن مدى نظافة السيارات الكهربائية يتوقف على نظافة مصدر الطاقة الذي يزودها بالكهرباء.
وفي الأسواق التي لا يتم فيها استخدام الطاقة المتجددة بالكامل لتشغيل محطات شحن المركبات الكهربائية، تأتي الطاقة من مصادر كربونية مثل الفحم والغاز الطبيعي، وهذا يرفع من ديون الكربون للسيارة الكهربائية بشكل كبير، وهو ما يتعارض مع الفكرة الأساسية للسيارات الكهربائية. ثم هناك مسألة البنية التحتية، حيث تفتقر أجزاء كبيرة من العالم التي تتوفر فيها الطاقة المتجددة بكثرة إلى البنية التحتية اللازمة لبدء ثورة السيارات الكهربائية الخاصة بها، ودولة مثل جنوب إفريقيا، التي تنعم باحتياطيات ثابتة من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، ليس لديها أي بنية تحتية تذكر لدعم السيارات الكهربائية.
وهناك أخبار سارة في هذا المجال، فكجزء من أسبوع أبوظبي للاستدامة، كشفت ريجنسي و (أي في قيتواي) عن شراكة لبناء 10000 محطة شحن للسيارات الكهربائية في جميع أنحاء الإمارات بحلول عام 2030. وبالنظر إلى احتياطيات الطاقة الشمسية التي لا نهاية لها تقريبا في البلاد، فيمكن أن تمثل الإمارات قريبا مشروعا تجريبيا للاستخدام النظيف للسيارات الكهربائية، أما بقية منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فهي منطقة رئيسية للسيارات الكهربائية نظرا لمقدار أشعة الشمس التي تتعرض لها خلال العام.
ومع ذلك، فهناك عقبة أخرى تحول دون استخدام السيارات الكهربائية على نطاق أوسع، حيث تحتاج السيارات الكهربائية كميات كبيرة من المعادن مثل الجرافيت والنيكل والكوبالت والليثيوم التي لا تحتاجها السيارات التقليدية، ويتم استخدام العديد من هذه المعادن في البطاريات والرقائق الدقيقة التي تشغل السيارة، والتحدي هو استخراج تلك المعادن ومقدار الإمدادات المتوفرة على كوكبنا.
والعديد من تلك المعادن متوفرة فقط في بلدان محددة، وفي بعض البلدان، لا تتوفر البنية التحتية للتنقيب واستخراج المعادن بنفس القدر الذي تتوفر فيها البنية الخاصة بالتنقيب عن النفط والمواد الهيدروكربونية الأخرى، وإذا كانت البنية التحتية موجودة، فسيتحول السؤال بعد ذلك إلى كمية المعادن الموجودة على كوكب الأرض. وبالتالي، فإن التوسع الكبير في السيارات الكهربائية إلى أسواق جديدة يمكن أن يتحول إلى نقص خطير في المعادن الحيوية، وإذا قررت جنوب إفريقيا، على سبيل المثال، القيام باتخاذ خطوة كبيرة نحو تصنيع السيارات الكهربائية وتخصيص موارد الدولة لتحديات البنية التحتية، فإنها ستضع ضغوطا كبيرا على تعدين المعادن الحيوية مثل الليثيوم. وببساطة، لا توجد بنية تحتية عالمية لدعم التعدين على نطاق واسع لتلبية التوسع الهائل في السيارات الكهربائية.
وتتخذ بعض البلدان المنتجة للمعادن إجراءات صارمة لحماية مواردها الطبيعية، ففي الشهر الماضي، حظرت زيمبابوي تصدير الليثيوم الخام خارج حدودها، وتعد الدولة الواقعة في الجنوب الأفريقي موطنا لسادس أكبر احتياطي معروف لليثيوم في العالم، وقد تشير هذه الخطوة إلى موجة جديدة من قومية الموارد.
سيؤدي انخفاض أسعار السيارات الكهربائية في الغرب إلى تحفيز سائقين جدد لاقتنائها، ويشهد القطاع نموا كبيرا، وهو أمر جيد وسيئ في نفس الوقت. والآن وبعد أن أصبحت السيارات الكهربائية بديلا فعليا للسيارات التقليدية، فقد حان الوقت لإجراء حوار جديد حول التأثير الحقيقي لهذه الطريقة في النقل، إذا أوهمنا أنفسنا بأن السيارات الكهربائية بمفردها ستساعد في تغير المناخ، فلن يوقظنا من الوهم سوى مفاجئة غير سارة. ومثل أي تقنية جديدة، تحمل السيارات الكهربائية في طياتها مجموعة من الفرص والتحديات، لقد حان الوقت للتفكير بوضوح في تلك التحديات قبل أن نُصيب أعيينا بالعمى بدلاً من تكحيلها.
جوزيف دانا هو كبير المحررين السابقين في إكسبوتانشال فيو، وهي جريدة إخبارية أسبوعية حول التكنولوجيا وتأثيرها على المجتمع. كما شغل منصب رئيس تحرير إميرج 85، وهو مركز يستكشف التغيير في الأسواق الناشئة وتأثيره العالمي.
د تويتر: @ibnezra