طريق مصر إلى دمشق ومخاطر تجميد الحرب في أوكرانيا 

فيصل اليافعي

Image courtesy of Syrian Presidency Telegram Page / AFP

تسارعت خطوات التطبيع مع نظام الأسد بعد الزلازل المدمرة في بداية هذا الشهر، وظل الرئيس السوري لفترة طويلة ماكثا في دمشق، وكانت أول زيارته إلى عمان. وهذا الأسبوع، حدثت قفزة عملاقة، حيث وصل وزير الخارجية المصري إلى دمشق لإجراء المزيد من الدبلوماسية لفترة ما بعد الزلزال، ولم يقع خلاف بسيط بين البلدين يستحق الذكر، بل الكثير من السياسة التي حدثت لفترة طويلة جدا.

وكان زلزال شهر فبراير الذي دمر أجزاء من تركيا وسوريا نقطة تحول في العلاقات بين الشرق الأوسط ودمشق.

وللتعرف على المدة التي قضاها الأسد خارج نطاق الشرق الأوسط، علينا أخذ مكالمته الهاتفية في 7 فبراير في عين الاعتبار، ففي اليوم التالي للزلازل، كانت أول محادثة له على الإطلاق مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.، وذلك منذ أن قطع محمد مرسي، الرئيس الإسلامي المصري الذي لم يدم طويلا، العلاقات الدبلوماسية رسميا مع نظام الأسد في عام 2013، وكان لمصر رئيسان آخران، لم يتحدث أي منهما إلى بشار الأسد. (بالنسبة لأولئك الذين يتساءلون عن هوية الرئيسان، كان خليفة الرئيس المخلوع مرسي هو عدلي منصور، والذي كان الرئيس المؤقت قبل انتخابات عام 2014).

هذه الموجة المتنامية من التطبيع بعد سنوات عديدة من تجميد العلاقات  مع الأسد بسبب حملته الواسعة النطاق على احتجاجات الربيع العربي لديها أيضا دروس لأجزاء أخرى من العالم، وعلى وجه الخصوص حول حرب أوكرانيا، فبعد عام من الغزو، بدأ الغرب والدول الكبرى مثل الصين والهند في التعامل مع حقيقة أن أوكرانيا قد تصبح حربا لا نهاية لها.

وبينما يفكر صانعو السياسات والمحللون في العواقب والاتجاه المحتمل للصراع الأوكراني، يجب عليهم النظر عن كثب إلى ما يحدث مع النظام السوري وجيرانه. لأن التطبيع هو في الحقيقة انعكاس لطول الفترة الزمنية التي استمر فيها الصراع السوري من دون حل.

ولحرب مثل الحرب السورية عواقب خارجية واسعة النطاق، على سبيل المثال لا الحصر، الهجرة الجماعية، وتعطيل التجارة، والميليشيات المسلحة، كما أن لها آثار هائلة على السياسة والاقتصاد والنظام الاجتماعي للبلدان والتي تتجاوز الحرب نفسها. وبسبب الحجم الهائل للحرب والمشاكل التي تولدها، قد يكون من المغري تجميد الصراع، والتعامل فقط مع العوامل الخارجية مثل اللاجئين أو المناوشات الحدودية، وترك الباقي لما بعد.

ولكن تلك الصراعات هي دائما تحت رحمة الأحداث، سواء الأحداث السياسية أو الطبيعية، كما رأينا مع الزلزال. وكلما طال أمد الصراعات تلك، زاد احتمال حدوث شيء ما يغير حسابات السياسيين في بلدان المنطقة وخارجها.

هذا هو بالضبط ما يحتمل أن يحدث مع الحرب في أوكرانيا، والتي، بعد عام من بدئها، مُعرضة لخطر أن تصبح حربا أبدية.

ويبدو أن كلا الجانبين مصممان على التصعيد، فالروس في خضم هجوم جديد، والغرب يستعد لتزويد أوكرانيا بأسلحة جديدة بما في ذلك الدبابات، وربما حتى الطائرات المقاتلة. وكل هذا يعني أنه من غير المرجح أن يكون هناك أي مخرج من هذا الصراع في القريب العاجل، إن احتمال أن يحقق أي من الجانبين نصرا شاملا هو احتمال ضئيل، وما تسعى إليه كل من كييف وموسكو، كما اقترح بوتين نفسه في خطاب الذكرى السنوية، هو “الهزيمة الاستراتيجية” للآخر.

ومن وجهة نظر روسيا، فإن الحرب المجمدة إلى الأبد في أوكرانيا هي الحل الذي يمكن لموسكو قبوله، حيث تم تجميد الصراع في شبه جزيرة القرم بشكل أساسي لسنوات حتى العام الماضي، وغزوها لجورجيا عام 2008 كان مجمدا أيضا.

وتلك الحروب المجمدة تفيد المعتدي، لأنها تقوض الزخم من جانب خصومها وتعتمد بشكل كبير على الأحداث السياسية الأخرى لتشتيت انتباه المؤيدين، وفي نهاية المطاف، تظهر أحداث غير متوقعة، وكلها تضغط على البلدان الأخرى لإيجاد حل ولو كان حل غير مثالي.

وهكذا بدأت مسيرة التطبيع مع النظام السوري، حيث بدأت العواقب غير المتوقعة تظهر تدريجيا، مثل الضغط الهائل الذي تعرضت له الدول المجاورة على غرار الأردن ولبنان، ومزيج من تدهور الاقتصاد التركي ورد الفعل الاجتماعي العنيف ضد العديد من المهاجرين السوريين، والفرصة التي انتهزتها إيران للتدخل أكثر في سوريا. كل ذلك أقنع جيران سوريا بأن التطبيع أفضل من صراع مجمد لا نهاية له.

ويحدث الشيء نفسه في أوكرانيا، حيث تغيرت الحسابات تدريجيا في عام من الصراع، وليس فقط مع روسيا، فالصين هي مثال على كيف يمكن للأحداث غير المتوقعة أن تغير المفاهيم، فقبل عام، ربما كانت بكين راضية عن انتصار روسي خاطف أو حتى مقاومة أوكرانية تترك روسيا ضعيفة وأكثر اعتمادا على الصين، لكن الآن تغيرت حسابات بكين، حيث أن المقاومة الأوكرانية عنيدة لدرجة أن الصين تشعر بالقلق الآن من الرسالة التي قد ترسلها الخسارة الروسية إلى تايوان. فهل ينظر التايوانيون عبر المضيق ويتصورون أنهم أيضا قد يكون لديهم فرصة ضد الجيش الصيني الأكبر حجما والأفضل تسليحا؟

إن أسوأ شيء بالنسبة لبقية العالم هو تجميد الصراع في أوكرانيا، حيث سيتلاشى كل الزخم والدعم الغربي، وكما حدث في سوريا، ستستمر الحوارات السياسية في أماكن أخرى إلى أن يحدث شيء ما مثل  حرب أو زلزال أو أي شيء غير متوقع. وتماما كما تتسبب دبلوماسية الزلازل في إعادة التفكير في جميع أنحاء الشرق الأوسط، فإن الصراع الأوكراني يحتاج إذابة الثلج من عليه بسرعة وبصورة مفاجئة.

يقوم فيصل اليافعي حاليا بتأليف كتاب عن الشرق الأوسط وهو معلق دائم الظهور على شبكات الأخبار التلفزيونية الدولية. وقد عمل في قنوات إخبارية مثل الجارديان وبي بي سي، ونشر تقارير عن الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية وآسيا وأفريقيا.

 تويتر: @FaisalAlYafai