قص أجنحة إيران وميليشياتها

حسين عبد الحسين

Image courtesy of Atta Kenare / AFP

لم يكن الهجوم الأخير بطائرة بدون طيار على مجمع عسكري إيراني في أصفهان هو الأول من نوعه ومن غير المرجح أن يكون الأخير، بل كانت ضربة من ضمن ضربات عديدة استهدفت مستودعات الأسلحة الإيرانية والقوافل في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك سوريا ولبنان، فبعد ساعات فقط من هجوم 29 يناير في إيران، أفادت التقارير أن الشاحنات التي عبرت من العراق إلى سوريا تعرضت أيضا لهجوم بطائرات بدون طيار، وفي حين يرى الكثيرون أن هذه الضربات جزء من حرب غير معلنة على البرنامج النووي الإيراني، لكن ينبغي النظر إليها أكثر على أنها جهد إقليمي لمكافحة الإرهاب.

ونادرا ما تعترف إسرائيل بتنفيذ مثل تلك الهجمات، لكن من المفهوم على نطاق واسع أن إسرائيل تقف وراءها وأن الهدف هو منع إيران من بناء قدرات الحرب غير المتكافئة لميليشياتها، ووفقا للقانون الأمريكي، فإن “العنف المقصود والقائم على أهداف سياسية” الذي ترتكبه “الجماعات المحلية (الميليشيات) ضد العزل والأبرياء” هو أعمال إرهابية. وهذا التعريف القانوني يجعل من الصعب المجادلة ضد حقيقة أن إسرائيل تساعد في مكافحة الإرهاب في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

ويبدو أن إيران كانت محرجة للغاية من الاعتراف بمدى الضرر الذي سببته تلك الضربات، وقد قللت من أهميتها، في حين نفت ميليشياتها في كثير من الأحيان وقوعها.

وأجبرت قبضة بشار الأسد الضعيفة في سوريا الحكومة الإسرائيلية على العمل بوتيرة عالية لمنع إيران من بناء بنية تحتية عسكرية في جنوب غرب سوريا، وهي منطقة تشترك في الحدود معها. وحاول نظام الأسد في البداية إخفاء أخبار الضربات الإسرائيلية، من خلال الادعاء بأن الانفجارات نجمت عن تماس كهربائي، وهو تفسير أثار سخرية واسعة النطاق. وعندما أصبح معروفا أن إسرائيل كانت تستهدف الميليشيات الإيرانية في سوريا، توقف نظام الأسد عن التعليق، ومن جانبها، بدأت إسرائيل في الحديث على الضربات، من دون الخوض في تفاصيل أي منها على وجه الخصوص.

وتبدو الأمور مختلفة في لبنان، حيث يُحكم حزب الله المدعوم من إيران قبضة على البلاد، وأي ضربة إسرائيلية علنية قد تشعل حربا واسعة النطاق، والتي لا يريدها أي من الجانبين. وبالتالي، شابت التفجيرات التي استهدفت مخابئ أسلحة حزب الله شيء من الغموض.

واتهمت إسرائيل حزب الله منذ فترة طويلة بتخزين أسلحة في الأحياء المدنية في لبنان، وخلال حرب عام 2006 التي دارت رحاها بين الجانبين، قصفت إسرائيل منازل لبنانية، قائلة إنها ترد على هجوم بالصواريخ من جانب حزب الله.

ونشرت إسرائيل صورا لمنشآت تقع بالقرب من مطار بيروت في شهر سبتمبر 2018، حيث قام «حزب الله» “بتحويل الصواريخ العادية إلى صواريخ موجهة بدقة”، وبعد شهرين، “كشفت إسرائيل ودمرت” سلسلة من الأنفاق التي حفرت “من داخل منازل المدنيين في لبنان إلى إسرائيل”. وكانت هذه هي الحالات الوحيدة التي تحدثت فيها إسرائيل علنا عن المواقع العسكرية لحزب الله، حتى شهر ديسمبر، عندما هددت إسرائيل “بضرب مطار بيروت بسبب شحنات الأسلحة الإيرانية”.

وانفجر مستودع للأسلحة في قرية عين قانا جنوب لبنان في سبتمبر 2020، وحينها استعارت الميليشيا الموالية لإيران أحد الأعذار المفضلة لدى الأسد، وهي إلقاء اللوم على شرارة كهربائية.

وهزت سلسلة من الانفجارات لبنان منذ شهر ديسمبر 2021. وسمع صوت إحداها في جانتا، معقل حزب الله في الشرق. وبعد أسبوعين، استيقظ السكان المحليون بالقرب من قرية هومين الجنوبية على صوت انفجار، وبعد ستة أيام، سمع دوي انفجارا بالقرب من مدينة صور الساحلية.

ورد حزب الله بنفس الطريقة على كل تلك الانفجارات، حيث أغلقت المنطقة، وأرسلت سيارات الإسعاف الخاصة به لنقل القتلى والجرحى إلى مرافق طبية لم يُكشف عنها، واخترع قصة ليبرر ما حصل، ففي مدينة هومين، قال حزب الله إن مولدا ساخنا أدى إلى تفجير خزان الديزل الخاص به. ووقع آخر الانفجارات الأسبوع الماضي، مرة أخرى في هومين، حيث أصيب مكتب “الخدمات الاجتماعية” التابع للحزب.

ولا يعد حزب الله الميليشيا الوحيدة الموالية لإيران في لبنان التي شهدت اشتعال النيران في مخابئ أسلحتها، فقد هز انفجار مستودع أسلحة تابع لحماس في مخيم برج الشمالي للاجئين الفلسطينيين بالقرب من صور في شهر ديسمبر 2021، وألقت حماس باللوم أيضا، كما هو متوقع، على التماس كهربائي. وبعد يوم واحد من الحادث، أقامت المنظمة الفلسطينية، التي تصنفها الولايات المتحدة وإسرائيل وأوروبا كجماعة إرهابية، جنازة لمقاتليها الذين قتلوا في ذلك “الالتماس الكهربائي”.

ويقوم حزب الله، مثله مثل إيران، بفرض مقص الرقيب على الأخبار حول الانفجارات لتجنب الحرب التي يمكن أن تدمر لبنان المنهار بالفعل، وكما أظهرت التفجيرات أن إيران وميليشياتها مخترقة بشكل كبير من قبل وكالات الاستخبارات الأجنبية، وأنها تخزن الأسلحة والذخيرة بشكل غير مسؤول في الأحياء المدنية.

وبغض النطر عن هوية من  كان يقوم بقص أجنحة الميليشيات الموالية لإيران،  فقد فعل ذلك بشكل مثير للإعجاب، حيث قام باختيار الأهداف السرية، وقصفها بتكتم عند الحاجة، ومتى سمحت الظروف، كما كان الحال في سوريا.

ولولا الهجمات المستمرة، مثل الهجوم على أصفهان والغارات الجوية التي أعقبت ذلك على القوافل التي عبرت من العراق إلى سوريا، لكانت الجماعات الإرهابية الموالية لإيران قد طورت من قدراتها بشكل كبير، ومنذ وقت ليس ببعيد، كانت الولايات المتحدة هي من قاد تلك الجهود مكافحة الإرهاب، لكنها تخلت الآن عن ذلك الدور، لقد قامت إسرائيل، أو الجهة المسؤولة عن قصف إيران وميليشياتها، بملء الفراغ الأمريكي. لا عجب أن العواصم العربية تنجذب نحو إسرائيل سعيا إلى التحالف.

 

حسين عبد الحسين هو زميل باحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (أف دي دي)، وهو معهد أبحاث غير حزبي مقره واشنطن العاصمة ويركز على الأمن القومي والسياسة الخارجية.

تويتر: @hahussain