تغير المناخ والطاقة وقضية من يقود المسيرة

جوناثان جرونال

Image courtesy of Karim Sahib / AFP

هناك إجماع بين نشطاء التغيرات المناخية والعديد من المعلقين على أن قرار تعيين رئيس شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) مسؤولا عن محادثات قمة المناخ 28 لهذا العام في الإمارات يشابه إعطاء الثعلب مفتاح بيت الدجاج.

ولكن هناك منظور بديل حول ذلك التعيين، لما ينظر إليه على أنه قمة تغير المناخ الأكثر أهمية منذ الاتفاق على معاهدة باريس في اجتمعا الاطراف في عام 2015.

وقلة ممن لديهم المؤهلات الكافية لهذا المنصب ومن بينهم الجابر الذي كان، خلال الجزء الأكبر من عقدين من الزمن، يتمتع بنظرة عامة لا مثيل لها وفهم فريد لكلا طرفي معادلة الطاقة.

ونعلم جميعا أن الكوكب بأكمله يجب أن ينتقل بشكل عاجل من الاعتماد على الوقود الأحفوري إلى بدائل مستدامة، ومع ذلك، فإن ما نحتاجه لتحقيق ذلك هو الحلول، وسيتطلب تطويرها على نطاق واسع لإنقاذ كوكب الأرض التالي: المال والخبرة الواسعة في مجال الطاقة والمحفز للمصلحة الذاتية.

وبصفته الرئيس التنفيذي لشركة أدنوك، والتي تُعد إحدى أكبر شركات النفط في العالم، وكمواطن في بلد يواجه أزمة احتباس حراري وجودية، فإن الجابر يملك تلك العناصر الثلاثة. إن تصوير الجابر على أنه رجل نفط بكل ما تحمله الكمة من معنى وتعيينه لرئاسة قمة المناخ 28 هو “رجعي بشكل شنيع” و “إشكالي للغاية”  هو أمر في غاية السذاجة.

إن مقولة الرئيس التنفيذي لمنظمة العمل المناخي الدولية السيد إيسوب في الأسبوع الماضي بأنه “من الضروري أن يطمئن العالم إلى أنه سيتنحى عن دوره كرئيس تنفيذي لأدنوك”، هو تقليل من مستوى ذكاء العالم.

ولا يشكك الجميع في قرار تعيين الجابر، حيث قال مبعوث المناخ الأمريكي جون كيري في تغريدة على تويتر إن “الأدوار المتنوعة التي تقلدها والفريدة من نوعها” “ستساعد في دعوة جميع أصحاب المصلحة المهمين إلى الطاولة للتحرك بشكل أسرع وعلى نطاق واسع”.

وتحفل السيرة الذاتية للجابر بالكثير من الانجازات، فقد تدرب كمهندس كيميائي، وبدأ حياته المهنية في أدنوك، ولكن في عام 2006 تم تعيينه رئيسا تنفيذيا لشركة أبوظبي لطاقة المستقبل “مصدر”. ومنذ ذلك الحين، أصبحت “مصدر”، التي تضم مساهمين من “أدنوك” وشركة أبوظبي للاستثمار “مبادلة”، واحدة من الشركات الرائدة في مجال الطاقة المتجددة في العالم، حيث تم استثمار أكثر من 30 مليار دولار في مجموعة واسعة من المشاريع الخضراء في أكثر من 40 دولة.

وتستثمر “مصدر” في مجموعة واسعة من الحلول، بدءا من الطاقة الشمسية ومزارع الرياح وصولا إلى الهيدروجين الأخضر وحلول تخزين الطاقة على مستوى الشبكات.

وبعبارة أخرى، وقبل 17 عاما – أي قبل ما يقرب من عقد من اتفاقية باريس – كانت دولة الإمارات العربية المتحدة تضع بالفعل الأساس لمستقبل ما بعد النفط، ومنذ البداية، كان الجابر هو الرجل الذي يقود هذا المشروع المستقبلي.

لا أحد يفهم أفضل من الإمارات في العالم بأسره أن التغيير قادم  لا محالة وبسرعة ، وأن صناعات الطاقة التي بنيت عليها الدول النفطية يجب إعادة صياغتها إذا كان لاقتصاداتها أن تبقى، ناهيك عن الاستمرار في مسيرة الازدهار.

وباعتبارها شركة النفط الوطنية المملوكة للدولة، ينصب تركيز أدنوك في نهاية المطاف على الرفاه المستقبلي للبلاد ولشعبها، ويرتبط هذا المستقبل ارتباطا وثيقا بانتقالها الناجح إلى الطاقة المستدامة، ووجدت دراسة أجريت عام 2015 في مجلة ” نتشر كلايمت تشتنج” أنه إذا لم يتم الحد من انبعاثات الكربون، فإن الكثير في منطقة الخليج، بما في ذلك الإمارات، قد تصبح غير صالحة للسكن بحلول نهاية القرن.

وكما قال الجابر في الافتتاح الأخير لأسبوع أبوظبي للاستدامة: “قبل أن يرى أي شخص في هذه المنطقة أن هناك مستقبل للطاقة المتجددة، كانت دولة الإمارات العربية المتحدة تعتبر الطاقة المتجددة هي المستقبل”.

وعملت دولة الإمارات العربية المتحدة بثبات على التطور من اقتصاد قائم على الموارد إلى اقتصاد قائم على المعرفة، مما خلق بيئة تشريعية ومالية ونمط حياة مصممة لجذب الخبرات الفكرية والتقنية العالمية والاستثمار، بالتزامن مع تطوير صناعاتها ومواهبها الذكية المحلية، في مجالات من الفضاء والنقل إلى الطب والطاقة المستدامة.

ويمكن رؤية الدليل على نجاح هذا النهج في حقيقة أنه على الرغم من التصور النمطي التقليدي لدولة الإمارات العربية المتحدة على أنها أولا وقبل كل شيء دولة نفطية، لكن في عام 2020، شكلت صادرات النفط 30 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد البالغ 359 مليار دولار.

نعم، لا تزال دولة الإمارات العربية المتحدة عائمة على بحر من الوقود الأحفوري، حيث تمتلك 10 في المئة من إجمالي إمدادات النفط العالمية ولديها خامس أكبر احتياطي للغاز الطبيعي. ويشير النقاد إلى خطط أدنوك لزيادة إنتاج النفط خلال السنوات القليلة المقبلة كما لو كان ذلك دليلا يثبت بشكل قاطع أن الجابر هو حقا ثعلب في حظيرة الدجاج.

ولكن بالطبع، لا يوجد دليل ولا اثبات.

فنحن نعيش حاليا في عالم يعمل بالوقود الأحفوري، ولن يتبخر الطلب على النفط بين عشية وضحاها، بل من شبه المؤكد أنه سيزداد على المدى القريب مع عودة العالم إلى مستويات ما قبل الوباء من النشاط الاقتصادي واستمرار الاقتصادات في البلدان النامية في النمو.

إن اتخاذ قرار بعدم تلبية ذلك الطلب سيكون بمثابة دمار اقتصادي على نطاق عالمي، إن قطع تدفق النفط والغاز غدا، كما ترغب بعض الجماعات الناشطة، من شأنه أن ينهي الحياة على الأرض كما نعرفها.

ولكن على نفس القدر من الأهمية هناك حقيقة مفادها أن تطوير التقنيات اللازمة لتسهيل الانتقال إلى الطاقة المستدامة على نطاق عالمي يتطلب استثمارات ومعرفة واسعة، وهو ما بحوزة شركة أدنوك.

وقد ينظر البعض إلى الأمر على أنه مثير للسخرية، لكن الحقيقة هي أن أرباح النفط، التي أعيد استثمارها بكل ذكاء وبصيرة مثلما فعلت أدنوك – بقيادة أشخاص مثل الجابر – هي التي ستجعل الانتقال إلى عصر ما بعد النفط ممكنا.

وفي الأسبوع الماضي، تساءلت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي): “لماذا تم اختيار رئيس شركة نفط لرئاسة قمة المناخ؟”.

الجواب البسيط: لأنه أفضل ثعلب يستطيع تقلد هذا المنصب.

 

جوناثان غورنال صحفي بريطاني، عمل سابقا مع صحيفة التايمز، وعاش وعمل في الشرق الأوسط ويقيم الآن في المملكة المتحدة.