
مر أكثر من شهر منذ أن تخلت الصين عن سياسة الحظر الخاصة بالجائحة، وأعادت فتح أبوابها بعد ثلاث سنوات من العزلة التي فرضتها على نفسها، وحتى في الأيام التي يجتاح فيها الوباء البلاد مثل التسونامي، ويصيب الملايين، يعتقد الكثيرون داخل الصين أنهم قد تجاوزوا الأزمة.
وانعكست تلك النظرة الإيجابية على الجانب الاقتصادي، حيث شهدت الصين أبطأ نمو للناتج المحلي الإجمالي منذ أربعة عقود في العام الماضي، حيث وصل إلى حوالي 3 في المائة، ولكن مع عودة الشركات للوقوف على أقدامها، تعتقد الحكومة أن التجارة الخارجية ستزداد بشكل كبير، وسيعود النمو كما كان.
وللتعافي الاقتصادي في الصين آثار كبيرة على بقية العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط.
أولا وقبل كل شيء، سوف يكبر الطلب على منتجات السوق الصينية، والذي سيُبدد شكوك العديد من المراقبين القلقين بشأن الركود العالمي. وزادت واردات الصين من موارد الطاقة، بما في ذلك النفط الخام والغاز الطبيعي والفحم، بأكثر من 40 في المائة العام الماضي وشكلت ما يقرب من 18 في المائة من إجمالي واردات الصين، وإذا كان للاقتصاد الصيني أن يستأنف إنتاجيته لما يماثل ما بعد الجائحة- سواء للتصدير أو الاستهلاك المحلي – فإن الطلب على منتجات الطاقة سينمو لا محالة.
ويعد تلبية الحاجة للنفط والغاز سؤالا مطروحا على طاولة النقاش، ففي عام 2021، كانت المملكة العربية السعودية أكبر مورد للنفط للصين، ولكن في شهر أبريل 2022 ، أخذت روسيا ذلك المركز. (وقبل الحرب في أوكرانيا، تناوب البلدان على نفس المركز) وكان السعر عاملا حاسما. وخلال النصف الأول من عام 2022، كانت واردات النفط من روسيا أرخص من المملكة العربية السعودية بنحو 15 دولارا للبرميل. وفي المستقبل المنظور، ستظل واردات الصين من النفط الخام من روسيا مستقرة.
لكن تقيس الصين التكاليف بأكثر من طريقة، ونظرا لحاجة الصين إلى الحفاظ على التنوع في إمداداتها من النفط الخام، واهتمام الرئيس شي جين بينغ بتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، فيمكن أن تصبح بكين أكثر اعتدالا وحذرا في تجارة الطاقة مع روسيا، وهو الأمر الذي من شأنه أن يمثل فرصة للموردين في الخليج.
وتتماشى هذه التوقعات الإيجابية لتجارة الطاقة بين الصين والشرق الأوسط مع الالتزام الرسمي من جانب بكين، ففي 9 ديسمبر، أعلنت الصين أنها ستزيد من وارداتها من النفط الخام والغاز الطبيعي من دول الخليج على مدى السنوات الثلاث إلى السنوات الخمس المقبلة. وجاء هذا التعهد في أول قمة صينية عربية في المملكة العربية السعودية حضرها حكام ومسؤولون من البحرين والكويت وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وهناك أسباب كثيرة لتلهف الصين المتجدد لنفط الشرق الأوسط، ومن ضمنها التعامل مع الانتعاش الاقتصادي، ولكن بينما تحاول الصين تحقيق التزامها “بالكربون المزدوج” حيث تبلغ انبعاثات الكربون ذروتها بحلول عام 2030 والحياد الكربوني بحلول عام 2060 فإنها ستحتاج إلى النفط والغاز للتعويض عن أنواع الوقود الأكثر قذارة مثل الفحم. وفي عام 2021، جاء 56 في المائة من استهلاك الطاقة الهائل في الصين من الفحم، يليه حوالي 26 في المائة من مصادر الطاقة النظيفة.
وكما أظهرت رحلة الرئيس الصيني “شي” الأخيرة إلى الخليج، تتطلع الصين إلى توسيع علاقاتها الاقتصادية مع الشرق الأوسط، وهو مسار مرشح للتسارع.
وبعيدا عن تجارة الطاقة التقليدية، يعد التعاون في مجال الطاقة النظيفة مجالا رئيسيا آخر ترغب الصين في العمل عليه مع دول المنطقة. وأحد الجوانب المثيرة للإهتمام هو التعاون النووي المدني، الذي تسعى إليه بكين مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وعلى وجه التحديد، أظهرت الصين اهتماما جديدا بالطاقة النووية منذ بداية الحرب الأوكرانية، وفي مختلف أنحاء العالم، تمهد الصين الطريق لتوسيع الجيل الثالث من مفاعلاتها النووية، ومن الواضح أن الصين قادرة على توسيع مفاعلاتها. ودول الخليج هي من ضمن المشترين المحتملين لتلك المفاعل، وتتنافس الصين بالفعل مع كوريا الجنوبية لبناء مفاعلين نوويين في المملكة العربية السعودية، ويقال إن مشاريع إقليمية أخرى في طور الإعداد.
وفي حين أن وضع الجائحة في الصين منذ شهر نوفمبر يبدو خارج نطاق السيطرة، لكن من غير المرجح أن تستمر الفوضى لفترة أطول، وتهدف بكين بالفعل إلى إعادة الأمور إلى مجاريها بحلول شهر مارس، ويتوقع الكثيرون انتعاشا تجاريا واقتصاديا في الأشهر التالية.
ولا شك أن الخوف من ركود محتمل في الولايات المتحدة قد ألقى بظلاله على الطلب الخارجي للمنتجات الصينية، لكن في جعبة الصين خيارات أخرى غير المستهلك الأمريكي، حيث أن حجم التجارة مع دول أسيا والاتحاد الأوروبي أكبر بكثير مقارنة بحجم التجارة مع الولايات المتحدة في عام 2022 ، لذلك حتى الطلب البطيء من الولايات المتحدة لا يعني كارثة للتجارة الصينية.
لم ينته بعد طريق الصين للتعافي من الجائحة، وسيموت الكثيرون قبل عودة الحياة لما كانت عليه، ويمكن أن تظهر متحورات فيروسية جديدة، مما قد يعقد خطط إعادة الفتح.
لكن إلغاء وعكس سياسة إصابة صفرية بفيروس كورونا جلب شعورا بالثقة للعديد من الصينيين، إلى جانب الحرص على اغتنام الفرص الجديدة، وسيترجم ذلك إلى تعزيز النشاط الاقتصادي والتجاري لهذا العام، والطلب المقابل على موارد الطاقة من الشرق الأوسط.
يون صن هو مدير برنامج الصين والمدير المشارك لبرنامج شرق آسيا في مركز ستيمسون في واشنطن العاصمة.