
لا توجد مناطق على كوكب الأرض أكثر تعرضا لأشعة الشمس من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟ ولكن في الفضاء، تتوفر أشعة الشمس على مدار الساعة، ولا يعترض طريقها السحب أو الغبار، لذلك من المفهوم أن تتعاون مملكة صحراوية مثل السعودية مع جزيرة ضبابية مثل بريطانيا لتوظيف ذلك المصدر من الطاقة.
وقد استثمر مشروع نيوم في المملكة العربية السعودية، وهي المدينة الجديدة المستقبلية في الزاوية الشمالية الغربية من البلاد، في شركة “سبيس باور” وهي شركة بريطانية، والتقى وزير الأعمال البريطاني برئيس هيئة الفضاء السعودية في وقت سابق من شهر يناير. وقد أبدت الولايات المتحدة واليابان والصين اهتماما جادا بتوليد الطاقة الشمسية في الفضاء إلى جانب المملكة المتحدة.
وحققت الطاقة الشمسية الكهروضوئية الأرضية نجاحات هائلة في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت منطقة الشرق الأوسط موطنا لأرخص وأكبر الأنظمة في العالم. وإلى جانب توربينات الرياح، برزت الطاقة الشمسية باعتبارها العمود الفقري المفضل لاقتصاد الطاقة الجديد المنخفض الكربون الذي يشكل ضرورة أساسية لتجنب التغيرات المناخية الكارثية، ولكن حتى في أفضل المواقع، فإن عامل قدرة الطاقة الشمسية وهو نسبة الإنتاج السنوي إلى الحد الأقصى للتوليد الفوري، هو حوالي 20 في المئة فقط. والمتشائمون حول فكرة الطاقة الشمسية يحبون تذكيرنا بأن الشمس لا تشرق دائما، كما لو أننا لا نعرف ذلك.
وهناك حلول جزئية: مثل استخدام الطاقة الشمسية النهارية لشحن البطاريات أو توليد الهيدروجين للتخزين، أو توصيل مناطق زمنية وخطوط عرض مختلفة بكابلات عالية الجهد بطول آلاف الكيلومترات، وتخطط أحد التجمعات بين بعض الشركات لمثل ذلك المشروع بين المغرب والمملكة المتحدة، لكن الهيدروجين “الأخضر” لايزال في مراحله الأولية ومكلف نسبيا، والبطاريات لديها قدرة محدودة لمد بلد ما بالطاقة خلال فترة الشتاء الطويل الخالي من أشعة الشمس، وليس لدى جميع البلدان أراض شاسعة، ويمكن أن تكون الكابلات التي تعبر لمسافات طويلة رخيصة الكلفة، ولكنها تحت ر حمة الظروف السياسية والأمنية.
لذا فإن مفهوم فكرة الألواح الشمسية في الفضاء هو وضع نظام كبير من المرايا والألواح الشمسية في مدار حول الأرض ومتزامن مع المحطات، حيث تكون الشمس مرئية طوال الوقت تقريبا، ويتم تحويل الكهرباء المولدة إلى موجات راديو عالية التردد، والتي بالكاد يمتصها الغلاف الجوي، ثم يتم إرسالها إلى محطة أرضية تحولها مرة أخرى إلى كهرباء. ويمكن إعادة توجيه الموجات بسهولة، بحيث يمكن أن تخدم العديد من أجهزة الاستقبال المتباعدة على نطاق واسع، والتبديل من واحد إلى آخر مع حلول الليل أو زيادة الطلب.
وأشار تقرير مونته الحكومة البريطانية إلى أن الطاقة الشمسية الفضائية مجدية تقنيا وأن أسعارها معقولة، وقد ارتفعت قيمتها المحتملة بسبب تطورين رئيسيين في الآونة الأخيرة: الأول هو الانخفاض الكبير في تكلفة الألواح الشمسية، إلى درجة كونها أرخص مصدر أرضي للإلكترونات، وانخفاض تكلفة عمليات الإطلاق الفضائية التي تسهلها الأنظمة القابلة لإعادة الاستخدام مثل سبيس إكس. فعندما كتبت عن هذا الموضوع في عام 2014، كلفت المواد المراد إرسالها إلى الفضاء (المدار) حوالي 10000 دولار للكيلوغرام الواحد، وكانت الألواح الكهروضوئية تكلف حوالي 0.70 دولار لكل واط، والآن تقدم شركة “سبيس أكس” عمليات إطلاق بسعر يزيد قليلا عن 1000 دولار للكيلوغرام الواحد، وتبلغ تكلفة الألواح الكهروضوئية حوالي 0.20 دولار لكل واط.
وتأمل سبيس سولر في الحصول على نظام تشغيلي واسع النطاق يولد 2 جيجاوات بحلول عام 2035، وعلى سبيل المقارنة، فإن هذا هو نفس حجم محطة الظفرة التي هي قيد الإنشاء في أبو ظبي، ومن المقرر أن يكون ذلك النظام التشغيلي هو الأكبر في العالم، وسيولد ما يقرب من مفاعل نووي كبير. ويشير التقرير الحكومي الأقل تفاؤلاً إلى عام 2040 كتاريخ البدء، وفي ظل افتراضات متحفظة، تقدر تكلفة الكهرباء بحوالي 6 سنتات أمريكية لكل كيلوواط / ساعة، وهذا أقل بكثير من المحطات النووية الجديدة. والهيدروجين أو الغاز الطبيعي مع احتجاز الكربون هما المتنافسين الرئيسيين الآخرين على الكهرباء المستمرة منخفضة الكربون.
وقد يكلف برنامج التطوير الخاص بنظام التشغيل الأول حوالي 20 مليار دولار وربما يحتاج إلى دعم حكومي كبير في المراحل المبكرة. والمكونات الأساسية للنظام مفهومة جيدا، ويبدو أن التحدي التقني الرئيسي هو إتقان التجميع الروبوتي المستقل والصيانة في الفضاء. ويجب أن تكون الألواح خفيفة الوزن قدر الإمكان، ولكنها أيضا معيارية وسهلة التجميع وقوية للتلف من النيازك الدقيقة كما يجب أن تكون عالية الكفاءة، وستستخدم صواريخ الإطلاق وقودا خال من الكربون.
وليس من المؤكد أن الطاقة الشمسية الفضائية يمكن أن تكون مجدية على الصعيد التجاري، لكن يبدو أنها أسهل من خيارات الطاقة المستقبلية الأخرى مثل الاندماج النووي، ويبدو أيضا مرشحا عمليا لأول صناعة كونية كبيرة من فكرة شائعة أخرى، وهي تعدين الكويكبات بحثا عن المعادن النادرة.
وقد نتساءل لماذا يسعى الشرق الأوسط إلى الطاقة الشمسية الفضائية وهو يلعب دور الرائد في الطاقة الشمسية الأرضية، والجواب هو إذا كانت الدول الأخرى ستسعى لذلك النوع من الطاقة، فلماذا لا يكونوا معهم، فالمواقع ذات الأراضي المفتوحة، والأقرب إلى خط الاستواء، تعطي للشرق الأوسط أفضلية، ويمكن أن تكون الطاقة الشمسية الأرضية، بتكاليفها المنخفضة، مكملا جيدا لشقيقها الفضائي.
تملك الإمارات برنامج فضاء خاص بها، حيث ارسلت مركبة مدارية إلى المريخ ومسبارا إلى القمر الذي من المفترض أن يهبط في شهر أبريل على سطح القمر. إن البحث والتطوير المطلوبين على مدى العقدين المقبلين لجعل النظام حقيقة على أرض الواقع سيكون له العديد من الفوائد التكنولوجية، وما كان خيالا علميا قبل بضع سنوات فقط، قد يضيء قريبا حتى أكثر المناطق المشمسة على الأرض.
روبن ميلز هو الرئيس التنفيذي لشركة قمر للطاقة، ومؤلف كتاب “أسطورة أزمة النفط”.
تويتر: @robinenergy