الجسر إلى تحول الطاقة

أفشين مولافي

Image courtesy of Armando Babani / AFP

قد تكون الصورة المميزة لعصرنا الحالي هي صورة لعائلة من الطبقة المتوسطة في مطار في آسيا أو إفريقيا، وهواتفهم الذكية مدسوسة في حقائبهم، أو يستقلون رحلة إلى دبي أو سنغافورة أو لندن. ولن تتصدر مثل هذه الصورة عناوين الصحف أو تنتشر على نطاق واسع، لكن طبيعتها الشائعة تعكس تحولا جذريا في عالمنا على مدى العقود الخمسة الماضية.

وقد يعرف المؤرخون هذه الفترة في نهاية المطاف بأنها “عصر التنمية”، وهي الفترة التي تحررت فيها أعداد كبيرة من البشر تدريجيا، من براثن الفقر المدقع والفرص المحدودة، وخرجت من تلك الدائرة المميتة. وقد عاش معظم العالم تحت رحمة الفقر قبل قرنين من الزمان، وكان أكثر من نصف سكان العالم لا يزالون يعيشون تحت خط الفقر إلى عام 1955.

ويبدو العالم مختلفا اليوم، حيث يعيش حوالي 10 في المئة من البشرية في فقر مدقع (حوالي 700 مليون شخص)، وفي عام 2007، ولأول مرة في التاريخ، كان عدد سكان المدن أكبر من عدد سكان الريف، ومنذ ذلك الحين، ارتفع معدل سكان المدن بشكل مطرد، مما أدى إلى اتساع الفجوة. وحققت البشرية إنجازا آخر في عام 2018، فوفقا لهومي خاراس من معهد بروكينغز: يمكن اعتبار أكثر من نصف العالم من فئة الطبقة المتوسطة.

هذا إذا هو عالمنا اليوم، وهو عالم يتميز بالتوسع المدني المتسارع، والطبقات المتوسطة الكبيرة التي لا تزال تنمو باستمرار، ويمتاز بالاتصال الفعلي والرقمي غير المسبوق، إنه عالم انتشل حرفيا أكثر من مليار شخص من قبضة الفقر المدقع، لكن لا يزال هناك الكثير الناس في مؤخرة الصفوف. إنه عالم حافل بالتطلعات الكبيرة حتى وسط التحديات غير العادية، وهو عالما يتسم بارتفاع نصيب الفرد في كل بلد واتساع الفروق بين الناس في كل مكان.

هذا هو العالم الذي يجب أن يفهمه صانعو السياسات في الفترة التي تسبق مؤتمر المناخ 28 الذي سيعقد في الإمارات في وقت لاحق من هذا العام، ونحن بحاجة إلى فهم التاريخ الحديث لمعرفة قيمة الحاضر، ولصياغة مستقبل مستدام.

ويعكس موقع قمة المناخ 28 التغييرات في عالمنا على مدى العقود الخمسة الماضية، وغالبا ما تظهر صور “قبل وبعد” لدولة الإمارات العربية المتحدة – التي تمت مشاركتها على الإنترنت أو تعليقها على جدران المكاتب الحكومية – حيث نرى شوارع مغبرة خالية من الحداثة في حقبة السبعينات، وسرعان ما تتبدل الصورة لنرى ناطحات سحاب على طراز مانهاتن ومطارات تعج بالحياة.

وتشتهر دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم على نطاق واسع بأنها مركز عالمي للتجارة والسياحة والنقل، ومستثمر عالمي كبير، وقائدا في الصناعات المستقبلية، وجسر مهم بين العالم النامي والاقتصادات المتقدمة. وقليلون هم من تنبأ بتطور الإمارات العربية المتحدة كما نراها اليوم عندما كانت دولة يافعة، حيث أعلنت استقلالها في عام 1971.

وفي حين أن الصور القديمة والحديثة لدولة الإمارات العربية المتحدة هي صور مُعبرة، إلا أن القليل من الدول الأخرى تفكر في الشكل الذي يجب أن يبدو عليه المستقبل. وكما أشار وزير شؤون مجلس الوزراء الإماراتي محمد القرقاوي مؤخرا: “يجب على الحكومات وصناع السياسات أن يفكروا في أنفسهم كمصممين للمستقبل”، وبعبارة أخرى، يجب أن يأخذوا وجهة نظر طويلة المدى، وأن يخططوا ليس للسنوات الخمس المقبلة ولكن للسنوات الـ 50 المقبلة.

ويتعين على صناع السياسات أيضا أن يكونوا على استعداد لمواجهة الحقيقة بكل صدق، والحقيقة كما قال مبعوث المناخ الإماراتي ورئيس قمة المناخ 28 سلطان الجابر مؤخرا: أن العالم “بعيد عن الهدف” فيما يخص خفض درجات الحرارة العالمية المنصوص عليها في اتفاقية باريس لعام 2015. وقال: “الحقيقة الصعبة هي أنه من أجل تحقيق هذا الهدف، يجب أن تنخفض الانبعاثات العالمية بنسبة 43 في المئة بحلول عام 2030”.

ويتمتع الجابر، الذي يشغل أيضا منصب الرئيس التنفيذي لشركة بترول أبوظبي الوطنية ووزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، بخبرة جيدة لقيادة مؤتمر الأطراف ( قمة المناخ 28)، ولم تكن خبرته الأولى في مجال الطاقة تحت مظلة الوقود الأحفوري، ولكن كرئيس تنفيذي لشركة “مصدر”، وهي الشركة العالمية في مجال الطاقة النظيفة التي تمتلك محفظة تزيد قيمتها عن 20 مليار دولار من مشاريع الطاقة المتجددة في أكثر من 40 دولة، وتعد دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من أكثر المستثمرين نشاطا في مجال الطاقة النظيفة في جميع أنحاء العالم.

وبالنظر إلى الاهتمام السياسي والاستثماري المنصب على انتقال الطاقة، فمن المتوقع حصول نجاحات كبيرة في ذلك المجال. ولكن العالم سيظل بحاجة إلى الوقود الأحفوري لبعض الوقت، وذلك من أجل التنمية المستدامة والقضاء على الفقر على حد سواء، ومع ما يقرب من 800 مليون شخص لا يزالون يفتقرون إلى الكهرباء، سيكون الوقود الأحفوري أرخص وأسرع طريقة لجلب هذه القوة التي ستغير حياتهم.

ويمكن لدولة الإمارات العربية المتحدة لعب دور الوسيط بين الدول الصناعية والنامية، ولنكن صريحين مع أنفسنا: نحن في مشكلة عويصة مرتبطة بالمناخ، ويرجع الفضل في ذلك أساسا إلى القطاع الصناعي في أوروبا والولايات المتحدة، وهما أكبر مصدرين للانبعاثات التاريخية في العالم. ولا يحق للدول الغنية في شمال الكرة الأرضية إلقاء محاضرات لدول الجنوب حول التغيرات المناخية والانبعاثات لأن ذلك سيثير الكثير من السخرية، وباعتبارها دولة من الدول النامية، يمكن لدولة الإمارات العربية المتحدة أن تلعب دور الجسر بين كلا العالمين.

وهناك عدد كبير من مشاريع الطاقة المتجددة التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات والتي بدأ العمل فيها وبعضها في طور الإعداد في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وكلا الدولتين من أكبر منتجي النفط في العالم، وكما تستثمر شركات الوقود الأحفوري العالمية الكبرى بقوة في مصادر الطاقة المتجددة، تعمل الحكومات في أوروبا، مثل الولايات المتحدة، على تحفيز العمل في مجال الطاقة النظيفة، حيث  ينمو الطلب على السيارات الكهربائية كل عام، والمسار أمامنا واضح: نحن نتجه نحو استخدام أوسع للطاقة النظيفة في كافة أوجه حياتنا اليومية.

ويقول المثل المأُثور “عندما تريد عبور نهر، ولكن لا يوجد هناك جسر، فعليك بنائه أولا” وستكون هذه هي مهمة مفاوضي المناخ في دبي في وقت لاحق من هذا العام، ولضمان أن يكون عصر التنمية هو عصر رخاء وليس شقاء، يحتاج العالم إلى جسر للانتقال بين وقود الماضي وطاقة الغد النظيفة، وقد تكون قمة المناخ 28 هي الفرصة الأخيرة لبناء ذلك الجسر.

 

أفشين مولافي هو زميل فخري في معهد السياسة الخارجية في كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة ومحرر ومؤسس النشرة الإخبارية للعالم الناشئ.

 تويتر: @AfshinMolavi