حُكم الأسد يُزيد من عناء سوريا في التعافي من الزلزال

حايد حايد

Image courtesy of Rami Al Sayed / AFP

لقد كانت الخسائر البشرية الناجمة عن الزلازل العنيفة التي ضربت تركيا وسوريا هذا الشهر فادحة؛ فعلى مستوى البلدين، لقي أكثر من 46 ألف شخص حتفه، وتشرد الملايين من الأطفال، ومُحيت مجتمعات كاملة من على وجه الأرض.

ومع أن تركيا تكبدت الحصة الأكبر من الخسائر الناجمة عن الكارثة — إذ تجاوز عدد الوفيات فيها 40 ألفًا — فإن الأزمة في سوريا لم تكن أقل وطأةً. لكن رغم الحاجة المُلِّحة، لم يلق الرئيس السوري بشار الأسد ولا حكومته بالًا بالمنكوبين.

وبدلًا من تقديم التعازي أو إعلان الحداد الوطني، سعى النظام السوري إلى استغلال الكارثة لتحقيق مكاسب سياسية ومالية، مثل زيادة شرعيته الدولية، ورفع العقوبات، وتلقي المزيد من المساعدات.

في البداية، رسم الأسد صورة لنظامه على أنه مَن يقود جهود إغاثة منكوبي الكارثة. وفور وقوع الزلازل، ترأس اجتماعًا طارئًا مع مجلس وزرائه لتقييم الكارثة، ثم أعلن عن خطة عمل وطنية يُنسِّقها فريق عمليات مركزي، وكلَّف رئيس الوزراء بقيادة هذه الجهود.

لكن هذه التحركات لم تُتخَذ من أجل الشعب السوري، وإنما كان هدف الأسد هو استخدام الكارثة لتشجيع دول المنطقة على زيادة تطبيع علاقاتها مع سوريا أو اتخاذ خطوات في هذا الاتجاه.

كان الكثير من الدول في المنطقة قد قطعت علاقاتها مع سوريا بعد فترة وجيزة من اندلاع الحرب فيها عام 2011. بيد أنه مع تمكُّن الأسد من التشبث بالسلطة، أدى الواقع الإقليمي الجديد والبراغماتية الدبلوماسية المُدرَكة إلى تحرك بعض الدول العربية بالفعل نحو إعادة العلاقات مع سوريا، ولا شكَّ أن الزلزال قد سرَّع من وتيرة ذلك. وقد جاءت دول الخليج أيضًا في مقدمة الدول التي تبرعت بالمعونات لكلٍ من سوريا وتركيا.

بعد الكارثة، تحدث الأسد مع ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة لأول مرة منذ أكثر من عشرة أعوام، ومع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لأول مرة منذ توليه الحكم عام 2014. وكذلك أرسلت لبنان أول وفد رفيع المستوى إلى دمشق منذ بدء الحرب الأهلية السورية، بينما أكد الرئيس التونسي قيس سعيد التزامه بتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع سوريا.

واكتمل هذا العمل الدبلوماسي بتلقي الأسد رسائل ومكالمات هاتفية رسمية من قادة الإمارات وعُمان والجزائر والأردن وفلسطين وأرمينيا والصين وبيلاروسيا.

منذ اللحظات الأولى للزلزال، مارس الأسد ضغوطًا على المجتمع الدولي لرفع العقوبات التي فُرِضت على سوريا لما ارتكبه النظام السوري من أعمال وحشية أثناء الحرب. ويُستدَل على هذه الضغوط من تصريحات المسؤولين في النظام السوري (مثل وزير الخارجية وأعضاء البرلمان) ورؤساء المنظمات التابعة للدولة (مثل الهلال الأحمر السوري)، والذين انتقدوا جميعهم العقوبات الغربية لتسببها في تفاقم آثار الزلزال، وطالبوا برفع هذه العقوبات للسماح بتدفق المعونات إلى سوريا.

يُشتبَه أيضًا في شنِّ النظام لحملة تضليلية يلقي فيها اللوم على المجتمع الدولي في عجز الحكومة عن تنفيذ عمليات الإنقاذ وتقديم المساعدة للضحايا.

وقد أتت هذا الاستراتيجية أيضًا ثمارها. ففي البداية، أنكر المسؤولون في الولايات المتحدة وأوروبا ادعاءات النظام، وأصروا على أن العقوبات لا تُعيق جهود إنقاذ الأرواح من الشعب السوري. ولكن بعد بضعة أيام، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عن تجميد عقوباتها على سوريا لمدة 180 يومًا فيما يخص كل المعاملات المتعلقة بجهود إغاثة متضرري الزلزال.

في الوقت نفسه، ضغط النظام لزيادة سيطرته على المعونات الإنسانية التي تصل إلى سوريا.

فبعد الهزات الأرضية بيوم واحد، صرَّح بسام الصباغ سفير سوريا لدى الأمم المتحدة للصحافة بأن أي معونات خارجية يجب أن تُسلَّم بالتنسيق مع دمشق وتأتي من داخل سوريا نفسها، وليس عبر الحدود التركية. ووصف الصباغ موقف الحكومة بأنه مسألة تتعلق “بسيادة الدولة واستقلاليتها وسلامة أراضيها”.

لكن لسوء حظ ضحايا زلزال سوريا، فهذا أيضًا غير واقعي. وذلك لأنه بالرغم من أن توصيل المعونات من المناطق التي تهيمن عليها الحكومة السورية إلى المناطق التي تحكمها المعارضة في شمال غرب سوريا أمر ممكن نظريًّا، فإن الحكومات الدولية تعترض على توصيل المعونات عبر دمشق نظرًا لجهود النظام الموثَّقة للتحكم في صور الدعم الإنساني والتلاعب بها واستخدامها لمعاقبة المعارضين.

هذا وقد وافق الأسد مؤخرًا على السماح بتوصيل معونات الأمم المتحدة إلى شمال غرب سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة لمدة ثلاثة أشهر عن طريق معبرين حدوديين من تركيا. لكن علينا ألا نعتبر هذا الإجراء دلالة على تغير سلوك الأسد. فعلى العكس، أعلن الأسد عن هذا الإجراء لمنع الغرب من السعي لفرض إجراء آخر أطول أمدًا، الأمر الذي كان المجتمع الدولي يضغط لتحقيقه داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. والحيلولة دون الوصول إلى هذا الاتفاق يسمح للنظام بزيادة تدفق المعونات عبر أراضيه، ومن ثم فرض سيطرته عليها. ويتيح ذلك أيضًا للأسد مواصلة استغلال تجديد آلية عبور الحدود القائمة، التي تُطبَق كل ستة أشهر، كورقة مساومة مع المجتمع الدولي.

علاوة على ذلك، فإن هذا الإجراء قد تأخر أسبوعًا؛ إذ توقف توصيل المعونات من تركيا إلى شمال غرب سوريا بعد أن صار من المتعذر الوصول إلى معبر باب الهوى الحدودي. وتوفيرًا للوقت وإنقاذًا للأرواح، كان من الممكن أن يحل النظام هذه المشكلة على الفور عن طريق منح وكالات الأمم المتحدة التصريح بالوصول إلى الأراضي السورية الخاضعة لحكم الثوار. ولكن النظام تأخر نظرًا لسعيه إلى زيادة المعونات التي تصل عبر المناطق الخاضعة لسيطرته.

إنَّ محاولات الأسد لاستغلال هذه الكارثة ليست سوى تذكير بالأسباب التي تجعل الملايين من الشعب السوري داخل البلاد وخارجها ما زالوا ينتظرون — رغم كل ما تحملوه من معاناة — انتهاء حكم الأسد.

لقد كانت الزلازل التي وقعت في 6 فبراير مدمرة لكلٍ من تركيا وسوريا، لكن سعي الأسد لتحقيق مصالحه الشخصية لن يؤدي سوى إلى تزايد مشقة تعافي سوريا من الأزمة.

 

الدكتور حايد حايد هو كاتب عمود سوري وزميل مشارك استشاري في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس. تويتر: @HaidHaid22