علاقة إيران مع الصين: أسمع جعجعةً ولا أرى طِحْنًا

يون صن

Image courtesy of Iranian Presidency / AFP

عندما ذهب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى بكين في زيارة دولية استغرقت ثلاثة أيام في الأسبوع الماضي، ركزت معظم العناوين الرئيسية على احتمالات إحياء الاتفاق النووي الإيراني – المعروف رسميا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (جي سي بي أو اي) – أو كمية النفط التي قد تشتريها الصين من الجمهورية الإسلامية.

لكن بعد المراجعة المتأنية لما حدث تتكشف الصورة عن مشهد ضيق الأفق للعلاقات الصينية الإيرانية.

ووافقت الصين في عام 2021 على استثمار 400 مليار دولار على مدى 25 عاما لدعم التنمية الإيرانية، وبحسب ما ورد تم “تفعيل” الاتفاق العام الماضي خلال زيارة قام بها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى الصين، مما دفع الكثيرين إلى التكهن أن زيارة رئيسي ستسلط الضوء على تفاصيل حول خطة التنفيذ.

وغني عن القول، أن تلك الزيارة كانت مُثقلة بخيبة أمل، ففي حين كانت هناك قائمة طويلة من المسائل المتفق عليها، مثل السيادة الدولية والحوكمة وخطة العمل الشاملة المشتركة والشؤون الإقليمية، لكن لم تكن هناك أي اتفاقيات، ولم توجد حتى إشارة إلى قطاع الطاقة أو إلى زيادة الواردات الصينية من النفط والغاز الإيراني – وهي الدافع الرئيسي وراء تعهد الصين بمبلغ 400 مليار دولار. وتعلق الإعلان الجوهري الوحيد بالتعاون في مجال التقنيات الزراعية.

ومنذ أن أصبح إبراهيم رئيسي رئيسا في شهر أغسطس 2021، جذبت إيران 5.95 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وجاء نصفها تقريبا من روسيا، والتي كانت حصتها 2.7 مليار دولار. في حين اقتصر وجود الصين على المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم التي بلغت قيمتها 185 مليون دولار فقط. فلم تتحقق الصورة الوردية التي رسمتها الصين لإيران في عام 2021، فماذا تنتظر الصين؟

فبادئ ذي بدء، كانت الصين تحت ضغوط دولية هائلة بسبب علاقاتها الاقتصادية مع روسيا منذ بداية الحرب الروسية في أوكرانيا، إن الاستثمار بكثافة في إيران الآن لن يؤدي إلا إلى مزيد من الضغوط ويترك الباب مفتوحا لمزيد من العقوبات من واشنطن، وقد أجرت الصين حسابات مماثلة حيث تجنبت الاستثمار بقوة في أفغانستان.

ثانيا، يعتقد المراقبون الصينيون الذين ينتقدون ماضي إيران الثوري وسياستها الخارجية التوسعية أنه من خلال حجب الاستثمار، يمكن للصين استعادة التوازن في الشرق الأوسط. ويشير هذا النوع من التفكير إلى أن بكين، التي تعارض دعم إيران للجماعات المسلحة الإقليمية، تريد معاقبة طهران على زعزعة استقرار دول الجوار.

ثالثا، بالنسبة للصين تعتبر «خطة العمل الشاملة المشتركة» سلاحا ذو حدين، فبدون استئناف الاتفاق النووي، ستواجه علاقات الصين الاقتصادية مع إيران خطر فرض عقوبات مالية، ولكن إذا تم إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة بالفعل، يمكن لإيران إعطاء الأولوية للمستثمرين الودودين من أوروبا، متجاوزة الصين تماما. وفي حين دعت الصين علنا إلى استئناف الصفقة، لكن لا يمكن التغاضي عن آثار عدم اليقين على العلاقات الاقتصادية للصين مع إيران.

من الواضح أن الصين لن تتخلى عن إيران، تماما كما لم تتخل عن روسيا. وطالما أن البلدين يشتركان في جدول أعمال واحد مثل مواجهة وتقويض الهيمنة الأمريكية، فإن بكين ستعتبر طهران شريكا مفيدا في منطقة حساسة، وشريك محتمل للتعاون في المستقبل. وتعكس زيارة رئيسي هذه القناعة السياسية، وكذلك وعد الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة إيران.

لكن بدلا من مضاعفة الضغط على إيران، تتطلع الصين إلى تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة.  ويبدو أن تطوير علاقات أوثق مع دول مجلس التعاون الخليجي يتصدر قائمة أولويات بكين في الشرق الأوسط.

ولأسباب براغماتية واقتصادية، تحتاج الصين إلى الحفاظ على علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي ومع إيران. ولهذا السبب شملت زيارة الرئيس شي للمنطقة في عام 2016 محطات في كل من المملكة العربية السعودية وإيران، وتوقفت زيارة وزير الخارجية آنذاك وانغ يي في عام 2021 في المملكة العربية السعودية وإيران وتركيا والإمارات العربية المتحدة والبحرين وعمان. وبالنظر إلى أن الرئيس شي كان في المملكة العربية السعودية في شهر ديسمبر، فمن المنطقي أن بكين أرادت موازنة تلك الرحلة بدعوة إبراهيم رئيسي.

لكن لا فائدة مادية ترجى من الرسميات و الرمزية، وبناء على الاستثمارات الصينية في المنطقة، فمن الواضح أن بكين لا تفضل إيران على دول مجلس التعاون الخليجي.

وبلغ إجمالي تجارة الصين مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وعمان والعراق في عام  2021 مبلغ 230 مليار دولار، وبلغ إجمالي التجارة مع المملكة العربية السعودية وحدها 82.4 مليار دولار، في حين بلغت تجارة الصين مع إيران في عام 2021 مبلغ 14.7 مليار دولار، والتي ارتفعت إلى 15.8 مليار دولار في عام 2022، وليست إيران حتى من بين أكبر 10 موردين للنفط الخام للصين.

إن الاتفاقيات التي وقعتها الصين مع دول مجلس التعاون الخليجي هي اتفاقيات شاملة، وتغطي مجموعة من القطاعات من الطاقة الخضراء والتقنيات الرقمية والنقل والبنية التحتية، ولديها أيضا جداول زمنية للتنفيذ، والتي تختلف اختلافا جوهريا عن اتفاقية الصين مع إيران والتي تمتد لـ 25 عاما، وهو تعهد يبدو رائعا على الورق ولكن ليس لديه ما يدعمه.

في حين أن هذا لا يعني أن الصين لن تتحرك أبدا، إلا أنه يشير إلى أن عدم تحرك الصين الآن لا يساعد إيران خلال أصعب أيامها.

وفي اليوم الثاني من زيارته الرسمية للصين، زار رئيسي جامعة بكين النخبوية، حيث حصل على لقب “أستاذ فخري”. وكان الحفل رسميا ونقل الكثير من المشاعر الدافئة، لكنه لم يفعل شيئا لتعزيز هدف إبراهيم رئيسي، وهو تأمين الاستثمارات التي قد تساعد في استعادة الثقة في الاقتصاد الإيراني المتعثر، وكبقية رحلته التي خلت من النتائج الملموسة وكان هناك الكثير من الجعجعة.

 

 يون صن هو مدير برنامج الصين والمدير المشارك لبرنامج شرق آسيا في مركز ستيمسون في واشنطن العاصمة.