أغلقت الطرق مع وصول رقم قياسي بلغ 97000 ضيف إلى دبي لحضور مؤتمر المناخ COP28 للأمم المتحدة الذي افتتح في يوم الخميس، وكان من بين الحاضرين الملك تشارلز وبيل غيتس وناريندرا مودي ولولا دا سيلفا وإيمانويل ماكرون وكامالا هاريس وريشي سوناك ومبعوث المناخ الأمريكي جون كيري، ولم يستطع البابا فرانسيس الحضور لأسباب صحية. فهل ستتمكن الشخصيات الملكية والأوتوقراطية والشعبية من الوصول إلى الموافقة الإلهية، وتحقيق التقدم المناخي الذي يحتاجه عالمنا الساخن؟
من وجهة نظر دولة الإمارات العربية المتحدة كمضيف للحدث، ومن منظور الشرق الأوسط، هناك العديد من الأهداف الرئيسية، أولها هو إدارة فعالية فعالة تحقق تقدما كبيرا في القضايا الرئيسية.
والثاني هو تجاوز حالة الرفض الذي واجهته الدولة المضيفة، والذي كان مصدرها من وسائل الإعلام الغربية، حيث واجه رئيس قمة المناخ COP28 الدكتور سلطان الجابر انتقادات بسبب دوره المستمر كرئيس تنفيذي لشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، ولكنه أوضح في كلمته في افتتاح الحدث أن دعوة شركات النفط والغاز إلى المشاركة لم يكن سهلا ولكنه أدى الآن إلى تبني العديد من تلك الشركات التزامات صافي الصفر بحلول 2050. وقال الجابر بكل إصرار “سأدير عملية شاملة وشفافة، عملية تشجع النقاش الحر والمفتوح بين جميع الأطراف”.
في الأيام الأولى، وجدت الإمارات طرقا لتركيز الحوار على الجوانب التي فشلت فيها الدول المتقدمة في الوفاء بوعودها، وحشد التعاطف الدبلوماسي من الدول النامية التي سئمت من المحاضرات الغربية.
ثالثا هو ضمان تركيز الإعلانات الختامية على القضاء على الانبعاثات، وليس القضاء على الوقود الأحفوري.
رابعا، والأهم من ذلك كله بالنسبة للعالم الخارجي، هو تحقيق تقدم مناخي حقيقي، حيث تعهد الجابر بـ”قمة مناخ قائمة على العمل والتنفيذ.” وتعاني دول الشرق الأوسط من نقاط ضعف مناخية خطيرة، حيث تواجه المزيد من الارتفاع في درجات الحرارة القصوى، ونقص المياه، والتصحر والعواصف الترابية، وارتفاع منسوب مياه البحر مما يهدد العمران الواقع على الشواطئ.
وبدأ الحدث بداية طيبة، حيث اتفق المندوبون في اليوم الأول على تفعيل “صندوق الخسائر والأضرار“، الذي سيساعد البلدان الضعيفة على التعامل مع آثار التغيرات المناخية الحتمية، وستساهم الإمارات وألمانيا بمبلغ 100 مليون دولار لكل منهما، كما وافقت الولايات المتحدة واليابان على المشاركة.
والتمويل جزء أساسي من المحادثات ويليق بمكانة دبي كمركز عالمي للأعمال فضلا عن امتلاك أبوظبي لاثنين من أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم. وأعلنت الإمارات يوم الجمعة عن صندوق استثمار مناخي بقيمة 30 مليار دولار ، والذي يهدف إلى “توفير التمويل لدول الجنوب في الكرة الأرضية”.
ويبدو من المرجح أن تفي البلدان المتقدمة الآن بتعهدها الذي تأخر كثيرا منذ عام 2009 والذي ينص على تخصيص 100 مليار دولار سنويا لتمويل المناخ للبلدان ذات الدخل المنخفض، على الرغم من تآكل ذلك المبلغ بسبب التضخم.
إن تجارة الكربون ضرورية للسماح للتمويل بأن يجد طريقه إلى السبل الأقل تكلفة لخفض الانبعاثات على مستوى العالم، وذلك كان المقصود من المادة 6.4 من اتفاقية باريس لعام 2015 ، والتي تم التوصل إلى اتفاق بشأنها في COP27 في العام الماضي في شرم الشيخ ، ولكن لم يتم الاتفاق على العديد من التفاصيل.
ويركز قدر كبير من النشاط الدبلوماسي على صياغة الإعلان الختامي: ما إذا كان سيتم “التخلص التدريجي” أو “التخفيض التدريجي” للوقود الأحفوري، وما إذا كان هذا سيحصل “بقوة” – بمعنى أن الوقود الأحفوري لا يستخدم احتجاز الكربون وتخزينه (سي سي أس) أو كل أنواع الوقود الأحفوري بغض النظر عن مستويات انبعاثاتها.
إن الاعتراف باحتجاز الكربون وتخزينه كطريقة قائمة أمر بالغ الأهمية ليس فقط للدول المنتجة للنفط، بل وأيضا للعالم بأسره، وفي هذا الصدد، ينبغي أن تتلقى الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بعض الدعم من الهند والصين اللتين تستخدمان الفحم بكثرة، كما طرحت إدارة بايدن حوافز ضخمة لاحتجاز الكربون وتخزينه، ولكن معظم الجماعات البيئية تكره أي فكرة تكنولوجية مرتبطة بالوقود الأحفوري، والاتحاد الأوروبي في أحسن الأحوال غير مبال حول قضية الدعم. ومن شأن أجزاء أخرى حول صناعة الطاقة التقليدية، ولا سيما الحد من تسرب الميثان، أن تحقق تقدما مناخيا حيويا على المدى القريب، لكن الهند تبدو مترددة، بسبب قطاع صناعة الفحم الكبير، وكذلك المخاوف بشأن الحصة الكبيرة من الغازات الدفيئة التي تأتي من الزراعة والثروة الحيوانية وحرق نفايات المحاصيل، وبدلا من ذلك، فهي تروج لتحالف الوقود الحيوي.
في المقابل ، فإن هدف مضاعفة قدرة الطاقة المتجددة ثلاث مرات على مستوى العالم بحلول عام 2030 يحظى بشعبية كبيرة، ومع توفر الزخم الحالي، يبدو أنه يمكن تحقيقه بسهولة، إن انخفاض تكاليف الطاقة الشمسية في دولة الإمارات العربية المتحدة والتوسع في شركة مصدر الحكومية للطاقة المتجددة يجعل من السهل الترويج لهذا الهدف.
إن مضاعفة معدل كفاءة الطاقة بحلول نفس التاريخ أمر مشكوك فيه إلى حد كبير: فقد كان التقدم على مستوى الكفاءة بطيء جدا على مدى عقود من الزمان، ولم يكتسب زخما إلا عندما ارتفعت أسعار الطاقة إلى عنان السماء، لكن أسعار النفط والغاز تراجعت منذ العام الماضي، وعادت تكاليف الطاقة المتجددة، على الأقل بالنسبة للطاقة الشمسية والبطاريات، إلى الانخفاض أيضا.
سيكشف التقييم العالمي، وهو جزء أساسي من اتفاقية باريس، عن مدى قربنا الخطير من حد الزيادة بمقدار 1.5 درجة مئوية في درجات الحرارة العالمية عن مستويات ما قبل الصناعة. ويبدو أن الحشد الغفير من المندوبين، من المشاهير إلى البسطاء، على استعداد لتحقيق بعض التقدم في القمة، ولكن أقل مما تتطلبه حالة الطوارئ الذي تواجهها البشرية. إن طقس دبي لطيف في هذا الوقت من العام، لكن العالم عاش أكثر شهر أكتوبر سخونة على الإطلاق، وفي هذا العام، وهو أكثر الأعوام سخونة على كوكب الأرض، ربما كان من الأفضل عقد قمة المناخ في شهر أغسطس ليوضح فكرة الخطر الذي يواجه كوكب الأرض لجميع الوفود.
روبن ميلز : الرئيس التنفيذي لشركة قمر للطاقة، ومؤلف كتاب “أسطورة أزمة النفط”.
X: @robinenergy