مع بقاء تركيز العالم منصبًا على الأحداث الدامية في غزة، يأتي مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين المعني بتغير المناخ COP28 ليذكرنا بأن التعاون هو السبيل الوحيد إلى تخفيف وطأة تلك الكارثة التي تسبب فيها البشر.
يعج المشهد الآن بتعليقات كثيرة حول استضافة الإمارات العربية المتحدة -وهي الدولة المنتجة للوقود الأحفوري- مؤتمر COP28 المنعقد الشهر القادم. ولكن في الواقع، تلك القوة الوسطى الغنية برؤوس الأموال وصاحبة التحالفات المتعددة بيدها مفاتيح سد فجوة تغير المناخ بين دول العالم المتقدمة والنامية.
تدير دول مجلس التعاون الخليجي (GCC) نحو 4 تريليونات من الأصول من خلال صناديق ثرواتها السيادية. وقد يكون لهذا المبلغ -إلى جانب التفوق التكنولوجي- دور حيوي في تحقيق توقعات صندوق تعويض الخسائر والأضرار، الذي تأسس في أعقاب مؤتمر COP27 المنعقد في مصر لمساعدة “الدول النامية المعرضة بشكل خاص للآثار السلبية لتغير المناخ”.
لكن مساعي مؤتمر COP27 لم تكلل بالنجاح حتى الآن. فقد وُضعت خطة لجمع 100 مليار سنويًا لمساعدة الدول الفقيرة على مواجهة تغير المناخ، وكان من المقرر بدء تدفق هذا التمويل في عام 2020، إلا أن الأمر لم يحقق سوى نجاح ضئيل. ومن المؤكد أن هذا التأخير سيمثل نقطة خلاف بين الدول المانحة والدول المستفيدة المحتملة في مؤتمر COP28.
إن محادثات المناخ هذا العام تزيد على كونها مجرد تجمع للمجموعات الفاعلة في المجال البيئي؛ إذ تحمل في طياتها أهمية بارزة لدول الشرق الأوسط، وخاصة تلك المنتجة للنفط. ويعزى ذلك إلى أن تبعات تغير المناخ تتجاوز الاعتبارات الاقتصادية وفرص تصدير الطاقة في هذه البلدان، الأمر الذي يخلف أثرًا بالغًا في حياة مواطنيها ومعيشتهم، لا سيما العاملين في القطاعات الحيوية مثل الزراعة والماء والكهرباء.
يؤثر تغير المناخ تأثيرًا فعليًا في الاستقرار في مختلف أرجاء الشرق الأوسط. ففي ليبيا التي شهدت حربًا أهلية دامت نحو عقد من الزمان، انقلبت بوادر التعافي -كزيادة إنتاج النفط على سبيل المثال- رأسًا على عقب في سبتمبر 2023 بعد أن تسبب إعصار مداري كارثي في غرق أجزاء من البلاد، ما أسفر عن تعطيل الموانئ البحرية الحيوية وتهديد مصير صادرات النفط.
وبالمثل، أدى القصور الحكومي في العراق في التعامل مع أزمة الفيضانات إلى تكبد خسائر فادحة واندلاع العنف.
كذلك كان نشوب الحرب الأهلية في سوريا عام 2011 مرتبطًا بكارثة مناخية. فقد مرت البلاد بالجفاف الأشد في تاريخها منذ ما يقرب من ألفية كاملة في العام السابق، ما أدى إلى قطع أرزاق نحو 800 ألف شخص والقضاء على قطاع الزراعة، ليسهم في زيادة الهجرة إلى المدن وحدوث الاضطرابات.
أضحت أزمة المناخ الآن مثار قلق رئيسيًا في منطقة لطالما كانت محفوفة بالتحديات الأمنية. فقد أسهمت آثار التغير المناخي في تأجج العنف وزيادة الفقر وانعدام المساواة، وكذلك التشجيع على الهجرة، الأمر الذي يزيد من زعزعة استقرار المنطقة. كما أن ندرة الغذاء والماء، وارتفاع معدلات المواليد والاستهلاك، والنزوح من المناطق الحارة، والتهديدات التي تقف في طريق قطاع الزراعة الذي تعتمد عليه أقوات جزء كبير من السكان، جميعها تبرز التحديات الجسيمة التي تفرضها أزمة المناخ.
وهذا الاضطراب لا يهدد استقرار المنطقة فحسب، بل يطال الاستقرار العالمي أيضًا.
على الرغم من العداوات التاريخية والمستمرة، لا بد لدول الشرق الأوسط من أن تقدر -بل وتقود- الجهود المبذولة لمجابهة تغير المناخ الذي بات يمثل تهديدًا مشتركًا؛ إذ توجد إمكانات هائلة للتعاون الإقليمي في مجالات مشاركة المعرفة وإستراتيجيات الاستجابة للأزمات والاستثمار في موارد الطاقة المتجددة.
كذلك قد يساعد التعاون في الحد من تغير المناخ والتكيف معه على تخفيف حدة التوترات بين القوى العظمى. فقد اتفق الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ في اجتماعهما المرتقب منذ زمن طويل في سان فرانسيكو على استئناف مجموعة العمل على التعاون في مواجهة تغير المناخ، وتعهدا بإحداث قفزة كبيرة في الاعتماد على الطاقة المتجددة.
كذلك اتفق الجانبان على “الإسراع بجهود نشر الطاقة المتجددة” في اقتصادَي بلادهما حتى نهاية عام 2030 من أجل تسريع عملية “استبدال الفحم والنفط والغاز الطبيعي”. كما تعهدا أيضًا بدعم الجهود الرامية إلى “مضاعفة سعة الطاقة المتجددة بحلول عام 2030 بمقدار ثلاثة أضعاف”.
وتزداد أهمية تلك الجهود على الصعيد الداخلي؛ إذ إن التعاون في مواجهة تغير المناخ وتحقيق الاستدامة يمكن أن يساعد على مكافحة التطرف وتعزيز الاستقرار الإقليمي. وتُعَد مشاركة الإمارات العربية المتحدة المتزايدة في الحد من تغير المناخ في إفريقيا مثالاً على ذلك.
تعهدت الإمارات العربية المتحدة في قمة إفريقيا للمناخ المنعقدة مؤخرًا بمبلغ 4.5 مليارات دولار لدفع مشروعات الطاقة النظيفة في القارة. وفي ظل تلك الاضطرابات والنزاعات السياسية في عديد من الدول الإفريقية ذات الأغلبية المسلمة، قد تؤدي الإمارات العربية المتحدة -بوصفها رائدة الإسلام الوسطي- دورًا محوريًا يجعلها وسيطًا ودافعًا للتغيير.
وإذا تجاوزنا التصريحات المجردة إلى الاستثمارات الكبرى والتعهدات بالمشروعات، فسنجد أن الإمارات العربية المتحدة تتبوأ مكانة قوية تمكنها من للحيلولة دون وقوع الأزمات المحتملة، وكذلك ريادة الاستقرار، وتعزيز النمو المستدام في إفريقيا.
وفي خضم الحرب المستعرة بين إسرائيل وحماس في غزة، أعلنت الإمارات العربية المتحدة أنها ستؤسس ثلاث محطات تحلية في قطاع غزة بقدرة إنتاجية تبلغ 600 ألف جالون من مياه الشرب يوميًا يستفيد منها 300 ألف شخص. ومثل هذه التعهدات تذكرنا بأن وراء تلك الحرب الدامية تحديات مستمرة تقبع في طريق الأمن المائي والغذائي، ومخاوف لا يمكن التعامل معها إلا بالحلول طويلة الأمد.
إن مؤتمر COP28 القادم بمنزلة دعوة طارئة للمجتمع الدولي حتى تتضافر جهوده في التعامل مع التهديدات المتاخمة. وعلينا أن نتذكر أنه لا بد للاستقرار والسلام من تعاون على مستوى الأقاليم وفيما بينها، بل حتى بين الأعداء. فقد بات مستقبلنا لا يتوقف على سلامة حدودنا فحسب؛ ولكن على صحة كوكبنا المشترك أيضًا.
حتى ننعم بالسلام والأمن الدائمَين، ينبغي لجميع الأطراف أن تقدم التعاون على النزاع، وأن تتجاوز الانقسامات الفكرية والسياسية، وأن تعترف بوجودنا جميعًا على كوكب واحد يزداد تعرضه للخطر يومًا بعد يوم.
جيداليا أفترمان هو رئيس برنامج سياسات آسيا في معهد أبا إيبان للدراسات الدبلوماسية الدولية والعلاقات الخارجية في جامعة ريشمان. X: @GAfterman
نارايانابا جاناردهان هو مدير قسم البحث والتحليل في أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية في أبوظبي، وزميل غير مقيم لدى معهد دول الخليج العربية في واشنطن.
محمد باهارون هو المدير العام لمركز دبي لبحوث السياسات العامة (بحوث).