مع تجمد خطوط القتال في الحرب العالمية في أكرانيا، اندلع صراع عالمي جديد في الشرق الأوسط. وتعتبر الحرب بين إسرائيل وحماس حقل ألغام وفق للمنظور الأوربي، حيث كشفت الحرب عن انقسامات كبيرة بين الدول الأوروبية، وبين القادة السياسيين وشعوبهم، والأهم من ذلك كله، بين الغرب ودول الجنوب العالمي، الذي كان الغرب يبحث عن الدعم من جانبهم في حرب أوكرانيا.

 

وتهدد الحرب الطويلة في غزة بتعميق تلك الانقسامات، وربما حتى إلى الحد الذي يتأثر فيه الدعم الغربي لأوكرانيا.

وقد اتضحت تلك الانقسامات هذا الأسبوع، عندما اجتمع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في محاولة للتوصل إلى اتفاق بشأن حرب غزة، لقد عاش الاتحاد الأوروبي حالة صدمة منذ بدء الصراع.

 

وسافرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى إسرائيل على الفور تقريبا، من دون استشارة المجلس الأوروبي، الذي يمثل جميع الحكومات الوطنية، ثم ذهب شارل ميشيل إلى مصر لتمثيل الاتحاد الأوروبي هناك، قبل أن يظهران معا في واشنطن. حيث سافرا عبر ثلاث قارات في غضون أيام، ولم يكن هناك توافق في الآراء حول من يمثل الاتحاد الأوروبي، ناهيك عما كانوا يقولونه.

 

ودعا قادة الكتلة في يوم الخميس إلى “وقف إطلاق النار وانشاء ممرات إنسانية ” للسماح بوصول المساعدات إلى غزة، ولكن فقط بعد أيام من النقاش الساخن حول كيف يتم صياغة العبارات، واقترحوا في الأخير وصفه بـ”وقف إطلاق نار لظروف انسانية”.

وتمتد تلك الانقسامات إلى شعوبهم، حيث يبدو أن هناك فجوة بين من هم في السلطة وأولئك الذين يصوتون لهم، وشهدت أوروبا مظاهرات عامة حاشدة ضد حرب غزة، وهي أكبر موجة من الاحتجاجات المناهضة للحكومة منذ حرب العراق.

 

وخرج عشرات الآلاف إلى الشوارع في مناسبات متعددة في لندن وباريس وبرلين ومدريد وأثينا والعديد من المدن الأخرى منتقدين دعم حكوماتهم للحرب.  وبدت السلطات متفاجئة من حجم الاحتجاجات وغير متأكدة من كيفية الرد وذاك في فرنسا وألمانيا على وجه الخصوص، واتخذ وزير الداخلية الفرنسي قرارا مفاجئا بحظر الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في جميع أنحاء البلاد، ليتم إلغاء ذلك القرار من قبل أعلى محكمة إدارية في البلاد، ووقعت احتجاجات في مدن في جميع أنحاء فرنسا هذا الأسبوع، كما حاولت ألمانيا استخدام الوسائل القانونية لمنع المظاهرات، ورفضت طلبات الاحتجاج.

 

وكان لمثل تلك الاحتجاجات تأثير سياسي، حيث قام القادة بتحسين اللغة التي يستخدمونها في الصراع، وخاصة تجاه الفلسطينيين. ولكن مع استمرار الحرب سيصبح الحفاظ على ذلك التوازن أكثر صعوبة، خاصة أنه لم يبدأ الغزو البري المتوقع.

 

ويلوح في الأفق انقسام أكبر مع دول الجنوب، حيث حاول الغرب حشد الدعم من جانب الدول غير الغربية منذ بداية غزو روسيا لأوكرانيا في العام الماضي، من خلال تأطير الغزو على أنه أكثر من حرب أوروبية، وزعموا أن الصراع في أوكرانيا كان متعلقا بالقانون الدولي، وبالتالي فإن الدول البعيدة عن الصراع مثل بكين، وأبوجا، والقاهرة لابد أن تقف إلى جانب أوكرانيا لأن الأمر يتعلق بدعم سيادة القانون، ثم جاء رد إسرائيل على هجوم حماس، وفي غضون أيام، حذر مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان من أن حصار غزة ومطالبة مليون من سكان غزة في الشمال بالفرار من ديارهم يمكن أن يعد انتهاك  للقانون الدولي، وتبع ذلك المزيد من هذه التحذيرات.

 

ولوحظ ذلك الانفصال بين سبب مطالبة الجنوب العالمي بتحمل الألم الشديد بسبب الصراع الأوكراني ومدى الدعم الشعبي الذي كان القادة الأوروبيون والأمريكيون على استعداد لتقديمه لإسرائيل، بغض النظر عن سياستها العسكرية.

 

وقدمت روسيا قرارا إلى مجلس الأمن الدولي في الأسبوع الماضي، يدعو إلى وقف القتال، بالإضافة إلى إدانة هجوم حماس. وعلى الرغم من دعم دول الجنوب العالمي الكبرى مثل الصين والبرازيل للقرار وحتى فرنسا، لكن استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضده.

 

ويكمن الخطر بالنسبة للدول الغربية في أن هذه الطريقة في التصرف تتماشى تماما مع ما كانت روسيا والصين تجادلان به وهي : أن النظام العالمي لا يفضل سوى مجموعة صغيرة من البلدان، ودول الجنوب العالمي  ليست من ضمن تلك المجموعة، وقد عبر العاهل الأردني الملك عبد الله عن ذلك بشكل صارخ عندما قال: “يفقد القانون الدولي كل قيمة إذا تم تنفيذه بشكل انتقائي“.

 

وفي الواقع، منحت الصين الزعيمة الطموحة لجنوب الكرة الأرضية فرصة ذهبية لإظهار ذلك في الأسبوع الماضي، عندما عقدت قمة بمناسبة مرور عشر سنوات على مبادرة الحزام والطريق في بكين، وعلى خلفية الدبلوماسية الأميركية المحمومة في الشرق الأوسط، ترأس شي جين بينغ مؤتمرا حضرته 130 دولة ممثلة، بما في ذلك بعض أكبر دول الجنوب العالمي، وإندونيسيا، وإثيوبيا، وكان في مقدمة الصفوف روسيا.

 

إن الجانب الأخلاقي ليس القضية الوحيدة، فهناك أيضا جانب المصالح الشخصية، حيث أن الشتاء يدنو أوروبا، وهناك بالفعل إشارات تشير إلى أن محاولات أوروبا لتقييد مبيعات الغاز الروسي لم تتكلل بالنجاح، وبعد أسبوع من لقاء رئيس الوزراء المجري مع فلاديمير بوتين في بكين، تم الإعلان عن أن البلاد ستشتري المزيد من الغاز خلال فصل الشتاء. وإذا كان الغرب غير قادر حتى على خلق تماسك ضمن صوفه الأوربية، فما مدى احتمال احتفاظه بتحالف أوسع، مع اقتراب الحرب الأوكرانية من شتاء ثان وعام ثالث في نهاية المطاف؟

 

تشكل الاختلافات بين القادة والجماهير، داخل الكتل الغربية في الجنوب العالمي، تحديا هائلا للغرب، حيث يسعى إلى إبقاء الحربين ضمن دائرة اهتمام الجمهور، ومع تصاعد حرب غزة، وتجمد الخطوط الأمامية في أوكرانيا، سيكون ذلك أكثر صعوبة، وقد ينهار بهدوء التحالف الهش الذي استمر على مدى الـ 19 شهرا لماضية.

 

يكتب فيصل اليافعي حاليا كتابا عن الشرق الأوسط وهو معلق دائم على شبكات الأخبار التلفزيونية الدولية. وقد عمل في منافذ إخبارية مثل الجارديان وبي بي سي، وقدم تقارير عن الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية وآسيا وأفريقيا.

 X: @FaisalAlYafai

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: