تزامن هجوم حماس المفاجئ عبر حدود غزة، مع تواجد مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي في بكين، وعندما أصدرت وزارة الخارجية الصينية بيانا حول ذلك الهجوم، كانت تلك البيانات محايدة بصورة مدروسة، ودعت فقط إلى “الهدوء” ووقف فوري لإطلاق النار.

 

وانتقد زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر البيان  الصيني على وسائل التواصل الاجتماعي اثناء وجوده في الصين قائلا إنه كان يأمل في إدانة أقوى لحماس.

 

وتجاهلت الصين تلك الانتقادات، لكن تلك الأحداث تشير إلى واقع صعب يواجه الدول الآسيوية التي تسعى إلى أن تكون وكيل في الشرق الأوسط، وذلك الواقع هو أن السياسة لم تختف. وكثيرا ما نظرت دول آسيا القوية إلى نفوذ أميركا في الشرق الأوسط بنظرة الحسد، وحاولت انتزاع جزء من ذلك النفوذ، ولكن كما تظهر الحرب المشتعلة في إسرائيل، لا تزال هناك توترات سياسية صعبة لم تحل في المنطقة، وعندما تنفجر الاحداث، لا يكفي أن تراقب الدول الآسيوية من بعيد، فدول الشرق الأوسط تتوقع منها الدعم والمساندة.

 

وتعتبر الدبلوماسية الصينية تحديدا عملية صعبة، حيث سعت إلى تعميق العلاقات مع كل من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وزار الرئيس الفلسطيني محمود عباس الصين في  شهر يونيو، ومن المقرر أن يتبعه الرئيس الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في وقت لاحق من هذا العام.

 

وينطبق الأمر نفسه أيضا على الهند، التي كانت تقترب من إسرائيل سياسيا في عهد ناريندرا مودي، ولكن تاريخيا كانت لها علاقات فلسطينية قوية، ويبدو أن كلا البلدين يعتقدان أن بإمكانهما “الفوز من بعيد”، سعيا لتحقيق مكاسب دبلوماسية، مع تجنب التورط في تعقيدات حروب الشرق الأوسط. وكلا البلدين يسيران على حبل مشدود، في محاولة لتجنب الانجرار بعمق إلى جولة جديدة من الصراعات، مع التمسك بالمكاسب السياسية التي يعتقدان أنهما حققاها، ولكن مع تصاعد الحرب، فإن البقاء على ذك الحبل المشدود سيتطلب توازنا ذكيا.

 

وستكون المناورة الدبلوماسية بالنسبة للصين أصعب بكثير من المناورة الهندية، لأن بكين سعت إلى تقديم نفسها كقوة عظمى جديدة وكدولة تختلف دبلوماسيتها عن دبلوماسية الولايات المتحدة، وكلا الجانبين يمثلان تحديا للصين، وإذا كانت الصين تطمح إلى أن تكون قوة عظمى، فسوف تحتاج إلى التدخل أو على الأقل إثبات أن لديها القدرة على تشكيل الواقع السياسي للدول الأخرى. وإذا أرادت أن تكون مختلفة عن الولايات المتحدة، فإنها ستحتاج إلى سياسة أكثر دقة أو حتى سياسة ترتبط بالجانب الفلسطيني، هذا في الوقت الذي لا تزال فيه الصور المروعة للرجال والنساء الإسرائيليين المختطفين متداولة على قنوات الأعلام.

 

وإلى الآن اعتمدت الصين على سياسة الحياد المدروس، ولكن مع بدء الحرب البرية، وعندما يصبح من الواضح ما إذا كان مواطن صيني حقا من بين الرهائن الذين تحتجزهم حماس، سيكون من الصعب على الصين الحفاظ على ذلك الحياد، وإذا ما انحازت الصين كثيرا إلى الجانب الإسرائيلي، فسوف تتساءل دول العالم خارج أطار الغرب عما إذا كان لدى الصين أي شيء مختلف تقدمه، وإذا انحازت إلى الجانب الفلسطيني، فستتعرض لانتقادات بسبب انحيازها الفعلي إلى مقاتلي حماس، فالحياد يستبعد العديد من الخيارات.

 

وسيكون السيناريو كله غير متوقع بالنسبة لبكين، التي ربما كانت قد جنحت إلى شعور زائف بالأمان من خلال التوسط في التقارب السعودي الإيراني في بداية العام، لكن ذلك التقارب كان سهلا، حيث أرادت السعودية وإيران علاقات أفضل، لكن إسرائيل وحماس عدوان قديمان، وهما الآن في حالة حرب. واستضافة الصين للرئيس الفلسطيني في شهر يونيو لا تعارض فكرة دعم إسرائيل، ولا إدانة حماس، لكنه يعني أن بكين، بدلا من إصدار دعوات للسلام، من المتوقع أن تشارك في تفاصيل السياسة الفلسطينية والإسرائيلية.

 

كما أدى بحث بكين عن حلفاء في الشرق الأوسط إلى دعوة بشار الأسد في الشهر الماضي، الذي قام برحلة نادرة خارج الحدود السورية، ولكن هناك مرة أخرى حقيقة التورط في صراعات بعيدة، وبالرغم من عرض الرئيس شي جين بينغ على الأسد الاستثمار المالي وقال إن العلاقات بين البلدين وصلت إلى مستوى “الشراكة الاستراتيجية”، لكن من غير الوارد أن تقف الصين إلى جانب سوريا إذا تصاعدت حرب غزة وامتدت؟

 

وقد تجد الهند أيضا كلمات الدعم القوية متذبذبة إذا حدث غزو بري من قبل إسرائيل، كما هو متوقع، وبدأت الخسائر الإنسانية في التصاعد. وقد يؤثر ذلك على الرأي العام في الداخل وحول العالم وقد يجلب إدانة من الدول العربية التي تستضيف أعدادا كبيرة من العمال الهنود، الأمر الذي يعقد موقف مودي.

 

وبعيدا عن التفاصيل الدقيقة، فإن ذلك يسلط الضوء على القضية الأوسع نطاقا بالنسبة للبلدان التي بنت سياستها الخارجية على فكرة أن الاستقرار مضمون في الصراعات طويلة المدى.

 

وعندما تم الإعلان عن ممر تجاري جديد في مجموعة العشرين الشهر الماضي يربط أوروبا بدول الخليج والهند، أعلن مودي أن المشروع سيكون “أساس التجارة العالمية لمئات السنين”، ويواجه المشروع الآن عقبة كبيرة، لأن الممر يتطلب علاقات جيدة بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، وهو أمر غير وارد في ضل حرب طويلة المدى.

 

وهذه إذن هي مشكلة العمالقة الآسيويين، حيث يتطلب الأمر أكثر من مجرد كلمات دبلوماسية وتصافح بالأيدي لتكون وسيطا قويا في الشرق الأوسط، ويتطلب الأمر أحيانا الانخراط في السياسة، وبالنسبة للصين، التي تنافس أمريكا، وبالنسبة للهند، التي تنافس الصين، كان المقصود من توسيع بصمتها في الشرق الأوسط أن تكون وسيلة لإبراز قوتها على المسرح العالمي. وما لا يبدو أن أيا من الهند والصين مستعد لعمله هو حقيقة أنهما قد يحتاجان في يوم من الأيام إلى القيام بما هو أكثر من مجرد تقديم كلمات دبلوماسية؛ بل قد يكون عليها الفعل وليس القول، ومن شأن حرب طويلة في المنطقة أن تجبرهم على مواجهة ذلك الخيار، لا يمكن للبلدان التي تطمح إلى أن تكون قوى عظمى أن تلتزم بالحياد.

 

يكتب فيصل اليافعي حاليا كتابا عن الشرق الأوسط وهو معلق دائم على شبكات الأخبار التلفزيونية الدولية، وقد عمل في منافذ إخبارية مثل الجارديان وبي بي سي، وقدم تقارير عن الشرق الأوسط، وأوروبا الشرقية وآسيا وأفريقيا.

 تويتر: @FaisalAlYafai

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: